تحت إشراف: الأستاذة الدكتورة الحاجة خزيمة توحيد ينجو
بسم الله
الرحمن الرحيم
قد اعتنى الإسلام بجميع
الأمور الأساسية في حياة الإنسان من عقائدهم و عباداتهم و معاملتهم و معاشرتهم و
غير ذلك من مجالّ الحياة الإنسانية. فكان النكاح للإنسان داخلا في الأمور
الأساسية. لقوله سبحانه و تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ )ال عمران : 14)
فشرع الله النكاح في هذا الدين ليسدّ الإنسان حاجاتهم
الشهوانية من غير ضرر ولا عيب.
ولكن جرت في أيّامنا
الحركة الفكرية التي تخترع أحكام الشريعة. من أقوالهم أنهم يجيزون النكاح بمختلف
الأديان. و هذا خطر عظيم للدين و الأحكام و الأنساب.
و هذه المقالة تبحث عن حكم النكاح بمختلف الأديان من نظر
الأيات القرأنيّة و الأحاديث النّبويّة.
الباحثان
10 محرم 1432
المبحث الأول
الأيات القرأنية
الاية الأولى
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ
مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ
يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (سورة البقرة : 221)
معاني المفردات
المشركات : الكافرات، أولئك: اي اهل الشرك، يدعون إلى النار: بدعائهم إلى العمل الموجب لها فلا تليق
مناكحتهم[1]
تَنْكِحُواْ المشركات: أي لا تتزوجوا الوثنيات ، والمشركة هي التي تعبد الأوثان ، وليس
لها دين سماوي ومثلها المشرك، وقيل : إنها تعم الكتابيات أيضاً لأن أهل الكتاب
مشركون لقوله تعالى: (وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ
النصارى المسيح ابن الله) إلى قوله: (سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[2].
(وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ) الأمة : المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة
، وأصلها ( أمو ) حذفت على غير قياس وعوّض عنها هاء التأنيث ، وتجمع على إماء قال
تعالى: (وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)[3]
سبب النزول
أولاً : روي أن هذه الآية نزلت في مرثد من أبي مرثد الغنوي
الذي كان يحمل الأسرى من مكة إلى المدينة ، وكانت له في الجاهلية صلة بامرأة تسمى
( عَناقاً ) فأتته وقالت : ألا تخلوا؟ فقال : ويحك إن الإسلام قد حال بيننا ،
فقالت : فهل لك أن تتزوج بي؟ قال : نعم ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاستأمره فنزلت الآية .
وتعقّب السيوطي هذه الرواية وذكر أنها ليست سبباً
في نزول هذه الآية ، وإنما هي سبب في نزول آية النور(الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ
زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً . . .)[4]
ثانياً : وروي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ( عبد الله بن
رواحة ) كانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى
الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هي يا عبد
الله؟ فقال : يا رسول الله : هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا
الله وأنك رسوله ، فقال يا عبد الله : هذه مؤمنة ، فقال : والذي بعثك بالحق
لأعتقنها ولأتزوجنّها ففعل ، فعابه ناس من المسلمين وقالوا : نكح أمة ، وكانوا
يرغبون في نكاح المشركات رغبة في أحسابهن ، فنزلت هذه الآية .[5]
التفسير والبيان
قال صاحب
كتاب تفسير ايات الأحكام عن معني هذه
الأية أي: لا تتزوجوا - أيها المؤمنون - المشركات حتى يؤمن بالله واليوم الآخر ،
ولأمة مؤمنة بالله ورسوله أفضل من حرة مشركة ، وإن أعجبتكم المشركة بجمالها ،
ومالها ، وسائر ما يوجب الرغبة فيها من حسب ، أو جاه ، أو سلطان .
ولا تَزوِّجُوا المشركين من نسائكم المؤمنات حتى يؤمنوا
بالله ورسوله ، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن خيرٌ لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ،
مهما أعجبكم في الحسب ، والنسب ، والشرف ، فإن هؤلاء - المشركين والمشركات - الذين
حرمت عليكم مناكحتهم ومصاهرتهم ، يدعونكم إلى ما يؤدي بكم إلى النار ، والله يدعو
إلى العمل الذي يوجب الجنة ، ويوضح حججه وأدلته للناس ليتذكروا فيميزوا بين الخير
والشر ، والخبيث والطيب .[6]
فقد حرّم
اللهُ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا المُشْرِكَاتِ الْلَوَاتي
لاَ كِتَابَ لَهُنَّ ، طَمَعاً فِي مَالِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ وَحَسَبِهِنَّ ، مَا
دًمْنَ عَلَى شِرْكِهِنَّ ، لأنَّ المُشْرِكَةَ لاَ دِينَ لَهَا يُحَرِّمُ
عَلَيهَا الخِيَانَةَ ، وَيَأْمُرُهَا بِالخَيْرِ ، وَيَنْهَاهَا عَنِ الشَّرِّ ،
وَقَدْ تُفسِدُ عَقِيدَةَ أَوْلاَدِها.
وَكَذَلِكَ مَنَعَ اللهُ المُسْلِمينَ مِنْ أَنْ
يُزوِّجُوا بَنَاتِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ مَا دَامُوا مُقِيمِينَ عَلَى
شِرْكِهِمْ . امّا زَوَاجُ الكِتَابِيِّ بِمُسْلِمَةٍ فَحَرَامٌ بِنَصِّ
السُّنَّةِ ، وإجماعِ المُسْلِمِينَ عَلَى ذلِكَ ، إِذْ يُخْشَى أنْ يُزيغَها عَنْ
دِينِها بِمَا لَهُ عَلَيهَا مِنْ سُلْطانٍ . وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ
مُعَاشَرَةَ المُشْرِكِينَ تَدْعُو إلى حُبِّ الدُّنْيَا وَالافْتِتَانِ بِها ،
وَإلى التَّقْصِيرِ في أدَاءِ الوَاجِبَاتِ الدِّينِيةِ ، وَعَاقِبةُ ذلِكَ
وَخَيمَةٌ . وَاللهُ يَدْعُو إِلَى المَغْفِرَةِ بِمَا أمَرَ بِهِ فِي شَرْعِهِ ،
وَبِمَا نَهَى عَنْهُ . وَهُوَ يُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَعْرِفُونَ صَلاحَهُمْ وَرَشَادَهُمْ .[7]
ما يستفاد من الاية
1.
حرمة الزواج بالمشركة الوثنية التي ليس لها كتاب سماوي .
2.
حرمة تزويج الكفار ( وثنيين أو أهل كتاب ) من النساء
المسلمات .
3.
إباحة الزواج من الكتابية ( اليهودية أو النصرانية ) إذا
لم يخش الضرر على الأولاد .
4.
التفاوت بين الناس بالعمل الصالح ، فالأَمَةُ المؤمنة
أفضل من الحرة المشركة .
5.
المشرك يجهد نفسه لحمل المؤمنة على الكفر بالله فلا يليق
أن يقترن بها.
***
الأية الثانية
الْيَوْمَ
أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ
لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي
أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (المائدة :
5)
معاني المفردات
الطيبات: المستلذات، وطعام الذين أوتوا الكتاب: ذبائح
اليهود والنصارى، المحصنات: الحرائر، أجورهن:
مهورهن، محصنين: متزوجين، غير مسافحين: معلنين بالزنا بهن، ولا
متخذي أخدان: منهن تسرون بالزنا بهن، ومن يكفر بالإيمان: أي يرتد.[8]
التفسير والبيان
قوله
تعالي: ( اليوم ) اي يوم إتمام النعمة (
أحل ) أي ثبت الإحلال فلا ينسخ أبداً ( لكم ) أي أيها المؤمنون ( الطيبات ) أي
التي تقدم في البقرة وصفها بالحل لزوال الإثم وملاءمة الطبع ، فهي الكاملة في
الطيب. ولما كان الطيبات أعم من المآكل قال : ( وطعام الذين ) ولما كان سبب الحل
الكتاب ، ولم يتعلق بذكر مؤتيه غرض ، بني الفعل للمجهول فقال : ( أوتوا الكتاب )
أي مما يصنعونه أو يذبحونه ، وعبر بالطعام الشامل لما ذبح وغيره وإن كان المقصود
المذبوح ، لا غيره ، ولا يتخلف حاله من كتابي ولا غيره تصريحاً بالمقصود ( حل لكم
) أي تناوله لحاجتكم ، أي مخالطتهم للإذن في إقرارهم على دينهم بالجزية ، ولما كان
هذا مشعراً بإبقائهم على ما اختراوا لأنفسهم زاده تأكيداً بقوله : ( وطعامكم حل
لهم ) أي فلا عليكم في بذله لهم ولا عليهم في تناوله .
ولما كانت الطيبات أعم من
المطاعم وغيرها ، وكانت الحاجة إلى المناكح بعد الحاجة إلى المطاعم ، وكانت
المطاعم حلالاً من الجانبين والمناكح من جانب واحد قال : ( والمحصنات ) أي الحرائر
(من المؤمنات) ثم أكد الإشارة إلى إقرار أهل الكتاب فقال : ( والمحصنات ) أي
الحرائر ( من الذين أوتوا الكتاب ) وبنى الفعل للمفعول للعلم بمؤتيه مع أنه لم
يتعلق بالتصريح به غرض .
ولما كان إيتاؤهم الكتاب
لم يستغرق الزمن الماضي ، أثبت الجار فقال : ( من قبلكم ) أي وهم اليهود والنصارى
، وعبر عن العقد بالصداق للملابسة فقال مخرجاً للأمة لأنها لا تعطى الأجر وهو
الصداق ، لأنها لا تملكه بل يعطاه سيدها : ( إذا آتيتموهن أجورهن ) أي عقدتم لهن ،
ودل مساق الشرط على تأكد وجوب الصداق ، وأن من تزوج وعزم على عدم الإعطاء ، كان في
صورة الزاني ، وورد فيه حديث ، وتسميته بالأجر تدل على أنه لا حد لأقله .
ولما كان المراذ بالأجر
المهر ، وكان في اللغة يطلق على ما يعطاه الزانية أيضاً ، بينه بقوله : ( محصنين )
أي قاصدين الإعفاف والعفاف ( غير مسافحين ) أي قاصدين صب الماء لمجرد الشهوة
جهاراً ( ولا متخذي أخذان ) أي صدائق لذلك في السر ، جمع خدن ، وهو يقع على الذكر والأنثى
، فكانت هذه الآية مخصصة لقوله تعالى وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ[9]
ما يستفاد من الاية
1.
جاءت هذه الأية مخصصة لسورة البقرة الأية 221.
2.
إباحة طعام الكتابيات و نكاحهنّ و به قال ابن
عباس، وبه قال مالك بن أنس وسفيان بن سعيد الثوري، وعبد الرحمن بن عمرو الاوزاعي.
***
الأية الثالثة
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ
اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ
لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ
إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ
وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ
اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (الممتحنة : 10)
معاني المفردات
فامْتَحِنُوهُنَّ - فَاخْتَبُروهُنَّ - وَكَانَ
النَّبِيُّ يَخْتَبِرُهُنَّ بِالتَّحْلِيفِ.
أُجُورَهُنَّ - مُهُورَهُنَّ .
بِعِصَمِ الكَوَافِرِ - بِعُقُودِ نِكَاحِ
المُشْرِكَاتِ.
المناسبة
كَانَ مِنْ شُرُوطِ صُلْحِ
الحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَقُرَيشٍ أَنَّ الرَّسُولَ
لاَ يَأْتِيهِ أَحَدٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلاَّ رَدَّهُ ، وَإِنْ كَانَ
مُسْلِماً عَلَى دِينِ الإِسْلاَمِ . وَخِلاَلَ فَتْرَةِ الصُّلْحِ جَاءَتِ
الرَّسُولَ فِي المَدْينَةِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعيطٍ
مُسْلِمَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا إِلَى الرَّسُولِ يَسْأَلاَنِهِ رَدَّهَا ،
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ يَنْقُضُ بِهَا عَهْدَ الحُدَيْبِيَةِ فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ خَاصَّةً ، فَمَنَعَ اللهُ المُؤْمِنينَ مِنْ أَنْ
يَرُدُّوا المُؤْمِنَاتِ المُهَاجِرَاتِ إِلَى المُشْرِكِينَ ، وَأَنْزَلَ اللهُ
تَعَالَى آيَةَ الامْتِحَانِ .
التفسير والبيان
وَقد بيّن الله تَعَالَى
لِلْمُؤْمِنينَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَكُمْ ، يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ ،
النِّسَاءُ مُؤْمِنَاتٍ مُهَاجِرَاتٍ مِنْ بَيْنِ الكُفَّارِ ، فاخْتَبِرُوا
حَالَهُنَّ ، لِتَعْلَمُوا صِدْقَ إِيمَانِهِنَّ ، لأنَّ الكُفَّارَ لاَ
يَحِلُّونَ لِلْمُؤْمِنَاتِ ، وَالمُؤْمِنَاتُ لاَ يَحْلِلْنَ لِلكُفَّارِ .
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم يَقُولُ لِلْمُهَاجِرَاتِ : " بِاللهِ الذِي لاَ إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ مَا خَرَجْتُ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ ، بِاللهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً
بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ ، بِاللهِ مَا خَرَجْتُ التِمَاساً لِدُنْيَا ، بِاللهِ مَا
خَرَجْتُ إِلاَّ حُبّاً بِاللهِ وَرَسُولِهِ ".
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِ
المُهَاجِرَاتِ مِنْكُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى
الحُكْمَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ، فَقَالَ : أَعطُوا أَزْوَاجَ المُؤْمِنَاتِ
المُهَاجِرَاتِ مِنَ الكُفَّارِ مِثْلَ مَا دَفَعُوا مِنَ المُهُورِ ، وَلاَ
إِثْمَ عَلَى الرِّجَالِ المُؤْمِنينَ فِي أَنْ يَنْكِحُوا هَؤُلاَءِ
المُهَاجِرَاتِ ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَهَّدُوا بِأَنْ يُؤَدُّوا إِليهِنَّ
مُهُورَهُنَّ ، وَلاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا المُشْرِكَاتِ
، وَلاَ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِعَقْدِ زَوْجِيَّةِ الكَافِرَاتِ البَاقِيَاتِ فِي
دَارِ الشِّرْكِ ، وَإِذَا لَحِقَتْ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ هِيَ زَوْجَةٌ لِمُسْلِمٍ
بِالكُفَّارِ - بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ - فَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ
يَسْأَلُوا الكُفَّارَ مَهْرَهَا الذِي دَفَعَةُ زَوْجُهَا المُسْلِمُ ،
وَلْيَسْأَلْكُمُ الكُفَّارُ دَفْعَ مُهُورِ نِسَائِهِمْ المُؤْمِنَاتِ
المُهَاجِرَاتِ .وَذَلِكَ الذِي ذُكِرَ هُوَ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
فَاتَّبِعُوهُ ، وَاللهُ عَلِيمٌ فَلاَ يَشْرَعُ إِلاَّ مَا فِيهِ الحِكْمَةُ .[10]
الحكمة
حرّمت الشريعة الإسلامية
الغراء نكاح المشركات ، وحظرت على المسلم أن يُبقي في عصمته امرأة لا تؤمن بالله ،
ولا تعتقد بكتاب أو رسول ، وتنكر البعث والنشور ، وذلك لما يترتب على هذا الزواج
من مخاطر دينية ، واجتماعية ، وأضرار عظيمة ، تلحق بالزوج والأولاد ، وبالتالي تهدّد
حياة الأسرة التي هي النواة لبناء المجتمع الأكبر .
وقد قضت السنة الإلهية أن
تمتزج الأرواح بالأرواح ، وتتلاءم الأنفس مع الأنفس عند الزواج ، لينعم الزوجان في
حياة آمنةٍ سعيدة ، يرفرف عليها الحب ، وتظلِّلها السعادة ، ويخيِّم عليها التعاون
والتفاهم والوئام . ولمّا كان هذا الانسجام والتفاهم ، لا يكاد يوجد بين قلبين
متنافرين ونفسين مختلفين ، نفسٍ مؤمنةٍ خيّرة ، ونفسٍ مشركةٍ فاجرة ، وكان هذا
يؤدي بدوره إلى التنافر ، والخصام ، والنزاع ، لذلك حرّم الإسلام الزواج بالوثنية
المشركة ، وعدّه زواجاً باطلاً لا يستقيم مع شريعة الله .
فالمشركة التي ليس لها دين
يزجرها عن الشرّ ، ويأمرها بالخير ، ويحرّم عليها الخيانة ، ويوجب عليها الأمانة ،
هذه الزوجة لا يمكن أن يسعد المرء في حياته معها ، ولا تصلح أن تكون ( رفيقة
الحياة ) لرجلٍ يؤمن بالله واليوم الآخر مع الفارق الكبير بين نفسيهما . [11]
ما يستفاد من الاية
1.
امتحان المهاجرات المؤمنات للتعرف على سبب الهجرة .
2.
نحن نحكم بالظاهر ، والله جلّ وعلا يتولى السرائر .
3.
حرمة نكاح المشركات اللواتي لا يؤمنّ بالله تعالى .
4.
إسلام المرأة يقطع الصلة بينها وبين زوجها المشرك وتحرم عليه .
5.
البيعة للنساء تكون بالشرائط التي ذكرها القرآن الكريم .
6.
الطاعة لأولي الأمر تكون في حدود ما شرع الله تبارك وتعالى .
7.
جواز نكاح الكتابيات اللاتي يؤمنّ بكتاب منزل من عند الله .
***
المبحث الثاني
الأحاديث النبويّة
الحديث الأول
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ
حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ :أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ
نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ
الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أَعْلَمُ مِنْ الْإِشْرَاكِ شَيْئًا
أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ
عِبَادِ اللَّهِ.
معاني المفردات
رَبُّ، الأصل ربه يربه والمراد هنا: اله
شرح الحديث
وقد
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم زواج المسلم بالكتابية الي مذهبين:
المذهب الأول: مذهب الجمهور.
ومنهم الأئمة الأربعة: وهو جواز نكاح
الكتابية في أرض الإسلام، مع الكراهة.
وقد استدل الجمهور لما ذهبوا إليه من الجواز
بالكتاب والأثر والمعقول:
أما الكتاب، فقوله تعالى)والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم )
كما مضى، ورأوا أن هذه الآية - وهي آية المائدة - إما مخصصة لعموم قوله تعالى في
سورة البقرة ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، وإما ناسخة لها، لأن نزول سورة
المائدة متأخر عن نزول سورة البقرة، وإما أن لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب.[12]
وأما الأثر فما ورد في نكاح الصحابة
الكتابيات من اليهوديات والنصرانيات، منهم طلحة بن عبيد الله، وحذيفة بن اليمان،
وعثمان بن عفان، رضي الله عنهم.[13]
وأما المعقول، فإن الكتابية - وقد
آمنت -في الجملة- بالله وبعض كتبه واليوم الآخر - وبعض الرسل - قد تميل إلى
الإسلام إذا عرفت حقيقته، فرجاء إسلامها أقرب من رجاء إسلام الوثنية، كما قال
الكاساني: "إلا أنه يجوز نكاح الكتابية لرجاء إسلامها، لأنها آمنت بكتب
الأنبياء والرسل في الجملة، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل، بناء على أنها أخبرت عن
الأمر على خلاف حقيقته. فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت، وتأتي
بالإيمان على التفصيل، على حسب ما كانت أتت به في الجملة، وهذا هو الظاهر من حال
التي بُنِيَ أمرها على الدليل دون الهوى والطبع، والزوج يدعوها إلى الإسلام
وينبهها على حقيقة الأمر، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها، فيجوز نكاحها
لهذه العاقبة الحميدة، بخلاف المشركة، فإنها في اختيارها الشرك، ما ثبت أمرها على
الحجة، بل على التقليد بوجود الآباء على ذلك.[14]
وقال في حاشية المنهاج للنووي: "وقد يقال باستحباب
نكاحها، إذا رجي إسلامها، وقد روي أن عثمان رضي الله عنه، تزوج نصرانية فأسلمت
وحسن إسلامها، وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى
دين زوجها، إذ الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات،
ولهذا حرمت المسلمة على المشرك.[15]
المذهب الثاني: تحريم الزواج بالكتابية على المسلم في دار
الإسلام. واشتهر هذا المذهب عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال السرخسي رحمه الله: "ولا بأس أن يتزوج المسلم الحرة من أهل الكتاب، لقوله
تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب )الآية. وكان ابن عمر لا يُجَوِّز ذلك،
ويقول: الكتابية مشركة".[16]
ومن الذين حرموا نكاح الكتابية الإمامية، كما نص على ذلك في
متن الأزهار، فذكر من المحرمات في النكاح "المخالفة في الملة" وقد أطال
الشوكاني رحمه الله في الرد عليهم بمخالفة كتاب الله في ذلك.[17]
أدلة القائلين بتحريم زواج المسلم الكتابية
استدل القائلون بهذا المذهب بأدلة:
الدليل الأول: من القرآن الكريم.
وفيه آيتان صريحتان في النهي عن زواج المسلم
المشركات، والكتابيات مشركات، والنهي عن إمساك المسلمين نساءهم الكوافر، وقد كان
هذا مسكوتا عنه في أول الإسلام.
الآية
الأولى: آية البقرة، وهي قوله تعالى: (ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم أولئك يدعون إلى النار
والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون)[18]
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن نكاح كل امرأة مشركة،
وجعل غاية النهي عن ذلك إيمانهن، والإيمان إذا أطلق في القرآن والسنة هو الإيمان
الشرعي الذي نزل به القرآن والسنة، فكل مشركة داخلة في هذا العموم، والكتابيات
مشركات، بدليل وصف الله تعالى أهل الكتاب بالشرك، كما في قوله تعالى:(وقالت اليهود
عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول
الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه وتعالى عما يشركون
)[19][20]. فقد وصف اليهود والنصارى بأنهم يشركون به تعالى. وعلى هذا
القول تعتبر آية البقرة ناسخة لآية المائدة - على عكس ما ذهب إليه أهل المذهب
الأول.
وقد ذكر ابن
حيان قولا لابن عباس: "أن آية البقرة هذه عامة في الوثنيات والمجوسيات
والكتابيات، وكل من على غير دين الإسلام، ونكاحهن حرام، والآية محكمة على هذا
ناسخة لآية المائدة، و آية المائدة متقدمة في النزول على هذه الآية في سورة
البقرة، وإن كانت متأخرة في التلاوة، ويؤيدها قول ابن عمر في الموطأ: ولا
أعلم شركا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى . "[21]
. ومعنى هذا أن سورة المائدة، وإن كانت من أخر سور القرآن نزولا، فلا يمنع ذلك من
أن تكون بعض آياتها متقدمة على بعض آيات سور نزلت قبلها، ومنها سورة البقرة
مناقشة الأدلة: وأجيب عن دعوى نسخ الآية بآية البقرة بأمرين:
الجواب الأول: عدم وجود دليل على تأخر آية
البقرة على آية المائدة، ودعوى نسخ آية البقرة بأية المائدة أولى، لأن سورة
المائدة متأخرة عن سورة البقرة باتفاق بين العلماء.[22]
وعلى فرض عدم تأخر آية المائدة على آية البقرة، فإن الأولى المصير إلى الأمر
الثاني الآتي.
الأمر الثاني: أن الجمع بين النصين - إذا
أمكن - أولى من إعمال أحدهما وإهمال الأخر، والجمع هنا ممكن، وهو ما ذهب
إليه الجمهور من اعتبار آية البقرة عامة تشمل جميع المشركات، بما فيهن الكتابيات،
وآية المائدة خاصة استثنت الكتابيات من النهي فبقين على الجواز.
الآية
الثانية، وهي قوله تعالى: ( ولا تمسكوا بعصم
الكوافر )[23] لفظها عام يتناول كل كافرة، فلا تحل كافرة بوجه
من الوجوه، ولا عبرة بخصوص سبب نزولها في نساء المسلمين من مشركات مكة، بل العبرة
بعموم لفظها.
وأجيب عنها
بما أجيب به عن سورة البقرة، بأن الكتابيات مستثنيات بأية المائدة، ودل على ذلك
عمل الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتابعين.[24]
الدليل الثاني على تحريم الزواج بالكتابية
ما ورد من الآثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم من النهي عن
زواج المسلم بالكتابيات، كما روي عن عمر وابنه عبد الله وابن عباس، رضي الله عنهم.
فقد نهى عمر رضي الله عنه طلحة وحذيفة عن إمساك امرأتيهما الكتابيتين، وغضب
غضبا شديدا عليهما بسبب ذلك الزواج، وهم أن يسطو عليهما، وعندما قالا له: نحن نطلق
ولا تغضب، قال لهما: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم صغرة قماء،
وهذا يدل على أن نكاح الكتابيات باطل من أصله عند عمر.
ونقل ابن جرير عن ابن عباس ما يدل
على تحريم نكاح الكتابيات، كغيرهن من الوثنيات.
وأما ابن عمر فقد صرح بأنه لا يعلم
شركا أعظم من قول النصرانية: ربها عيسى وهو عبد الله. فهذه الآثار واضحة في
دلالتها على التحريم.
مناقشةالأدلة: وأجاب الجمهور عن هذا الدليل، فقالوا: إن عمر
رضي الله عنه، إنما كره زواج المسلم بالكتابية، ولم يحرمه، وقد صرح بعدم
التحريم عندما أمر حذيفة أن يفارق امرأته اليهودية، فكتب إليه حذيفة: أحرام هي؟
فكتب إليه عمر: لا، ولكن أخاف أن تواقعوا المومسات منهن.[25]
وذكر
ابن جرير رحمه الله عن ابن عباس رواية أخرى، تدل على أنه يرى جواز نكاح
المسلم الكتابية، فقد روى بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ( ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن ) ثم استثنى أهل الكتاب فقال: ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) حل لكم (
إذا آتيتموهم أجورهن ) . فهذه الروايات تدل على أن غاية ما قصده عمر
وابن عباس، هي الكراهة، ولم يريدا التحريم، وبذلك يُجمَع بين الروايات عنهما.
حَمْلُ
النحاسِ كلامَ ابنِ عمرَ على الكراهة التنزيهية، أو على التوقف، خلاف ظاهر كلامه،
ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وقال أبو عبيد: المسلمون اليوم على
الرخصة، وروي عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن، وزعم ابن
المرابط تبعا للنحاس وغيره، أن هذا مراد ابن عمر أيضا، لكنه خلاف ظاهر السياق،
ولكن الذي احتج به ابن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب، لا من يوحد،
وله أن يحمل آية الحل على من لم يبدل دينه منهم "[26]
ما يستفاد من الحديث
1.
ألأصل في الزواج من أهل الكتاب، الإباحة
2. من الافضل ان يختر الزوجة من المسلمات
3. كراهية زواج الكتابيات
4. من حكمة كراهية زواج الكتابيات ، التحري من الضرر والفساد في
حياة الزوجية.
***
الحديث الثاني
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ
يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ
وَلَا يُقَاتِلُونَهُ وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ
لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ
فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ وَإِنْ هَاجَرَ
عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ
ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَإِنْ هَاجَرَ
عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا وَرُدَّتْ
أَثْمَانُهُمْ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ قَرِيبَةُ بِنْتُ
أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا
مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أَبِي
سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمانَ الثَّقَفِيُّ
معاني المفردات
أَهْلِ الْحَرْبِ: هم الذين يصلح قتلهم من الكفار
أَهْلِ عَهْدٍ: هم الذين
صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدة معلومة لمصلحة يراها
معني إجمالي
قال ابن
بطال في كتابه –شرح صحيح البخاري-إذا أسلمت المشركة
وهاجرت إلى المسلمين ، فقد وقعت الفرقة بإسلامها بينها وبين زوجها الكافر عند جماعة
الفقهاء ، ووجب استبراؤها بثلاث حيض ، ثم بذلك تحل للأزواج ، هذا قول مالك ،
والليث ، والأوزاعى ، وأبى يوسف ، ومحمد ، والشافعى . وقال أبو حنيفة : إذا
خرجت الحربية إلينا مسلمة ولها زوج كافر فى دار الحرب ، فقد وقعت الفرقة ولا عدة
عليها ، وإنما عليها استبراء رحمها بحيضة ، واعتل بأن العدة إنما تكون فى طلاق ،
وإسلامها فسخ وليس بطلاق ، قالوا : وهذا تأويل حديث ابن عباس : أنه إذا هاجرت
امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر ، أن المراد بذلك الاستبراء ، وتأويل
هذا عند مالك والليث ومن وافقهما ثلاث حيض ؛ لأنها قد حصلت بالهجرة من جملة
الحرائر المسلمات ، ولا براءة لرحم حرة بأقل من ثلاث حيض . وأكثر العلماء على أن
زوجها إن هاجر مسلمًا قبل انقضاء عدتها أنه أحق بها. واتفقوا أن الأمة إذا سبيت أن
استبراءها حيضة . وأما قوله : وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران ، فهذا
فى أهل الحرب ، وأما أهل العهد ، فيرد إليهم الثمن عوضًا منهم ؛ لأنهم لا
يحل للمشركين تملك المسلمين ، فيكون وزن الثمن فيهم من باب فداء أسرى المسلمين ،
وإنما لم يجز تملك العبد والأمة إذا هاجرا مسلمين من أجل ارتفاع العلة الموجبة
لاسترقاق المشركين ، وهى وجود الكفر فيهم ، فإذا أسلموا قبيل القدرة عليهم وقبيل
الغلبة لهم وجاءونا مسلمين ، كان حكمهم حكم من
هاجر من مكة إلى المدينة فى تمام حرمة الإسلام والحرية إن شاء الله.[27]
ما يستفاد من الحديث
1.
وقوع الفرقة بين المشركة وزوجها إذا أسلمت وهاجرت إلى
المسلمين.
2. مدة الاستبراء عند جمهور في هذه القضية هي بثلاث
حيض، بخلاف الأحناف فإن الإستبراء عندهم هي بحيضة.
3. وإن هاجر عبد منهم أو أمة-من أهل الحرب-
فهما حران.
***
الحديث الثالث
قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ
عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَسْلَمَتْ
النَّصْرَانِيَّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ دَاوُدُ
عَنْ إِبْراهِيمَ الصَّائِغِ سُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ
أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَهِيَ امْرَأَتُهُ قَالَ لَا
إِلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِذَا
أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا هُنَّ حِلٌّ
لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي
مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَا هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا
صَاحِبَهُ وَأَبَى الْآخَرُ بَانَتْ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ
جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إِلَى
الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوهُمْ مَا
أَنْفَقُوا قَالَ لَا إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ هَذَا كُلُّهُ
فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ
قُرَيْشٍ
معاني المفردات
الْعِدَّةِ:وقة الانتظار للمراءة المطلقة
صَدَاقٍ:مهر
يُعَاوَضُ: عاوض أي عوّض
معني إجمالي
اقتصر على ذكر النصرانية وهو مثال وإلا فاليهودية كذلك فلو
عبر بالكتابية لكان اشمل وكأنه راعي لفظ الأثر المنقول في ذلك ولم يجزم بالحكم
لاشكاله بل أورد الترجمة مورد السؤال فقط، وقد جرت عادته أن دليل الحكم إذا كان
محتملا لا يجزم بالحكم .[28]
أشار هذا الحديث بأن المرأة
إذا أسلمت قبل زوجها هل تقع الفرقة بينهما بمجرد إسلامها أو يثبت لها الخيار أو
يوقف في العدة، فإن أسلم استمر النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما؟
اختلف العلماء
امام هذه المسألة. قال ابن بطال الذي ذهب إليه
ابن عباس وعطاء إن إسلام النصرانية قبل زوجها فاسخ لنكاحها لعموم قوله عز وجل "لا
هن حل لهم ولا هم يحلون لهن"[29] فلم يخص وقت العدة من غيرها.
وقالت طائفة إذا أسلم في العدة تزوجها هذا
قول مجاهد وقتادة وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد.
وقال الثوري وأبي حنيفة: إذا عرض على
زوجها الإسلام فإن أسلم فهُما على نكاحهما وإن أبى أن يسلم فرق بينهما وهو قول إذا
كانا في دار الإسلام وأما في دار الحرب فإذا أسلمت وخرجت إلينا بانت منه بافتراق الدارين. ومطابقة للترجمة أورده معلقا عن
عبد الوارث بن سعيد التميمي البصري عن خالد الحذاء إلى آخره وهو من أفراده وهو عام
يشمل المدخول بها وغيرها. وقال داود عن إبراهيم الصائغ: سئل عطاء عن امرأة من أهل
العهد أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة "أهي امرأته قال لا إلا أن تشاء هي بنكاح
جديد وصداق".[30]
أورد البخاري
هذه الآية[31]
للاستدلال بها في تقوية قول عطاء المذكور الآن وأنه اختار هذا القول وهو أن
النصرانية إذا أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة فإنها لا تحل له إلا بنكاح جديد وصداق
فإن قلت روى عطاء في الباب الذي قبله عن ابن عباس أن المرأة إذا هاجرت من أهل
الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح
ردت إليه الحديث.[32]
فبين قوله وروايته عن ابن عباس تعارض فقال صاحب العمدة: أجيب بأن قوله لم
تخطب حتى تحيض وتطهر يحتمل أن يراد به انتظار إسلام زوجها ما دامت هي في عدتها
ويحتمل أيضا أن تأخير الخطبة إنما هو لكون المعتدة لا تخطب ما دامت في العدة فإذا
حمل على الاحتمال الثاني ينتفي التعارض.
ما يستفاد من الحديث
1. أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها تقع الفرقة
بينهما بمجرد إسلامها.
2. أن النصرانية إذا أسلمت ثم أسلم زوجها في
العدة فإنها لا تحل له إلا بنكاح جديد وصداق
***
الحديث الرابع
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ
كَانَتْ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إِلَى
آخِرِ الْآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ
الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلِقْنَ فَقَدْ
بَايَعْتُكُنَّ لَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ
بِالْكَلَامِ وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا
أَخَذَ عَلَيْهِنَّ قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا
معاني المفردات
هجر: ترك، هجر وطنه أي تركه
امتحن: اختبر
أقر: ثبت، أثبت ، أقرّ (ب): اعترف (ب)
محنة: بليّة[33]
معني إجمالي
قوله إذا هاجرن أي من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح
قوله يمتحنهن أي يختبرهن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى ظاهر الحال دون
الإطلاع على ما في القلوب وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى الله اعلم بإيمانهن،
قوله والمؤمنات سماهن مؤمنات لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بكلمة الشهادة ولم
يظهر منهن ما ينافى ذلك قوله مهاجرات نصب على الحال جمع مهاجرة أي حال
كونهن مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام. قوله تعالى فامتحنوهن أي
فابتلوهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن.
قوله
قالت عائشة موصول بالإسناد المذكور قوله فمن أقر بهذا الشرط
وهو أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين قوله فقد أقر بالمحنة أي
بالامتحان وقال الكرماني المراد بالإقرار بالمحنة: من أقر بعدم الإشراك ونحوه، فقد
أقر بوقوع المحنة ولم يحوجه في وقوعها إلى المبايعة باليد ونحوها ولهذا جاء في
بقية الرواية إن رسول الله إذا التزمن هذه الأمور كان يقول انطلقن يعني فقد حصل
الامتحان قوله انطلقن فقد بايعتكن بينت هذا بعد ذلك بقولها في آخر الحديث فقد
بايعتكن كلاما أي بقوله ووقع في رواية عقيل كلاما ما يكلمها به ولا يبايع بضرب
اليد على اليد كما كان يبايع الرجال وأوضحت ذلك بقولها لا والله ما مست يد رسول
الله إلى آخره وفي رواية عقيل في المبايعة غير أنه بايعهن بالكلام
ما يستفاد من الحديث
1.
انّ المؤمنات
إذا أقر بأن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين فقد أقر بالمحنة أي
بالامتحان.
2. المبايعة بين رسول الله وبين المؤمنات
بالكلام دون اليد
***
الحديث الخامس
عن الضحاك عن أبيه رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله
إني أسلمت وتحتي أختان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلق أيتهما
شئت" رواه أحمد والأربعة
إلا النسائي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وأعله البخاري بأنه رواه الضحاك
عن أبيه.
معاني المفردات
أختان: مثني مـ(أخت)
معني إجمالي
قال الامام البغاوي في كتابه "شرح السنة": إذا أسلم مشرك ، وتحته أكثر من أربع نسوة، فأسلمن
معه، أو تخلفن وهن كتابيات، فإنه يختار منهن أربعا، ويفارق البواقي، وظاهر الحديث
يدل على أنه لا فرق بين أن يكون نكحهن معا أو متفرقات، وأنه إن نكحهن متفرقات يجوز
له إمساك الأواخر وهو قول الحسن البصري، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد
وإسحاق، وإليه رجع محمد بن الحسن حين ناظر الشافعي فيها.
وكذلك لو أسلم
عن أختين يختار واحدة منهما، سواء نكحهما معا، أو من الأوليات ، ويفارق الأخريات ،
وكذلك في الأختين ، والأول أشبه بظاهر الحديث، لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
جعل الاختيار إلى الزوج في الإمساك والمفارقة، ومن حكم ببطلان نكاح الكل، أو عين
الأوليات للإمساك، فقد أبطل معنى الاختيار، ولأن كل عقد مضى في الشرك على اعتقادهم
يجوز الإمساك بعد الإسلام بحكم ذلك العقد، ولا يتعرض لما مضى في الشرك إذا كان
المحل مما يجوز ابتداء العقد عليه. كما لو نكح في حال الشرك بلا بينة، وفي العدة،
ثم أسلما والعدة منقضية يقران عليه فإن كانت العدة باقية، أو نكح امرأة من محارمه،
ثم أسلما، لا يقران عليه لأن ابتداء العقد عليهما في الإسلام لا يجوز.[34]
ما يستفاد من الحديث
1. إذا أسلم مشرك وتحته أختين فعليه أن يختار واحدة منهما.
2. اعتبار أنكحة الكفار وإن خالفت نكاح الإسلام.
***
الحديث السادس
وعن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر أن
غيلان بن سلمة هو ممن أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر وهو من أعيان ثقيف ومات في
خلافة عمر أسلم وله عشر نسوة فأسلمن معه "فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن
يتخير منهن أربعا" رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وأعله البخاري
وأبو زرعة قال الترمذي قال البخاري.
معاني المفردات
فتح: أي فتح مكة
طائفة: جملة من الناس
سبب ورود الحديث
أن غيلان بن سلمة هو ممن أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر
وهو من أعيان ثقيف ومات في خلافة عمر أسلم وله عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي
صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا.
معني إجمالي
هذا الحديث متعلق بحديث السابق. فهي لما
أسلم المشرك وتحته أكثر من اربع نسوة فعليه أن يختر أربعا و يترك الأخر، وهذا ما
وضعه الإسلام. ورد هذا الحديث في شأن رجل من ثقيف وله أكثر من أربع نسوة فأمر النبي ان يطلقوهنّ. و هناك
روايات توضح ذلك:
فائدة سبقت
إشارة إلى قصة تطليق رجل من ثقيف نساءه وذلك أنه اختار أربعا فلما كان في عهد عمر
طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فلما بلغ ذلك عمر قال: إني لأظن الشيطان مما يسترق
سمع بموتك فقذفه في نفسك وأعلمك أنك لا تمكث إلا قليلا وأيم الله لتراجعن نساءك
ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فليرجم كما رجم قبر أبي رغال الحديث
وفي سنن أبي
داود أن قيس بن الحرث أسلم وعنده ثمان نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن
يختار أربعا وروى الشافعي والبيهقي عن نوفل بن معاوية أنه قال أسلمت وتحتي خمس
نسوة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فارق واحدة وأمسك أربعا"
فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر من ستين سنة ففارقتها وعاش نوفل بن معاوية مائة وعشرين
سنة ستين في الإسلام. وستين في الجاهلية.[35]
ما يستفاد من الحديث
§
الاسلام لا يسمح لرجل ان يجمع أكثر من اربع زوجات.
§
من عادة العرب قبل مجئ الإسلام, لهم أكثر من زوجة.
الحديث السابع
وعن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن
الربيع بنكاح جديد"
معاني المفردات
رد: اي رجّع
معني إجمالي
هناك رواية غير هذا كأنها
متعضدة، وهذه هي الرواية: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته
زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا"
قال
الترمذي حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب، قال الحافظ
ابن كثير في الإرشاد قال الإمام أحمد هذا حديث ضعيف وحجاج لم يسمعه من عمرو بن
شعيب إنما سمعه من محمد بن عبد الله العرزمي والعرزمي لا يساوي حديثه شيئا.
وأما ابن عبد البر فإنه جنح إلى ترجيح رواية عمرو بن
شعيب وجمع بينه وبين حديث ابن عباس فحمل قوله في حديث ابن عباس بالنكاح
الأول أي بشروطه ومعنى لم يحدث شيئا أي لم يزد على ذلك شيئا وقد أشرنا
إليه آنفا قال وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد ومهر
جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل انتهى.
فقال
صاحب سبل السلام: يرد تأويل حديث ابن عباس تصريح ابن عباس في رواية فلم
يحدث شهادة ولا صداقا رواه ابن كثير في الإرشاد ونسبه إلى إخراج الإمام أحمد له
وأما قول الترمذي والعمل على حديث عمرو بن شعيب فإنه يريد عمل أهل العراق ولا يخفى
أن عملهم بالحديث الضعيف وهجر القوي لا يقوى الضعيف بل يضعف ما ذهبوا إليه من العمل.
ما يستفاد من الحديث
·
إذا أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها إلا بعد انقضاء العدة
فهي طليقة، واذا أراد الرجوع فعليه أن يعيد بنكاح جديد.
المراجع والمصادر
1. القرأن الكريم، الطبعة
الرابعة عشرةـ، دار ابن كثير، بيروت، 1404 ه
2. تفسير الجلالين، جلال الدين المحلي و جلال الدين والسيوطي،
دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى.
3. تفسير ايات الأحكام، محمد علي الصابوني، دار الصابوني، القاهرة،
الطبعة الأولي، 1428 ه.
4. أيسر التفاسير، أسعد حومد،
5. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ، برهان الدين
أبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي، دار الكتب العلمية ، بيروت، 1415هـ - 1995 م
6. شرح صحيح البخارى، أبو الحسن علي بن
خلف بن عبد الملك بن بطال البكري، مكتبة الرشد، الطبعة : الثانية ، الرياض،
السعودية. 1423هـ - 2003م.
7. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني الحنفي
8.
شرح السنةـ للإمام البغوى، الحسين بن مسعود
البغوي، المكتب الإسلامي، دمشق ـ بيروت ـ 1403هـ - 1983م.
9.
سبل السلام، محمد بن إسماعيل
الأمير الكحلاني الصنعاني (المتوفى : 1182هـ)، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة
: الرابعة 1379هـ/ 1960م.
10.
حاشية السندى على صحيح البخارى، محمد بن عبد الهادي
السندي
المدن، دار
الفكر، بيروت، لبنان.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar