Rabu, 08 Februari 2012

تفسير أيات الأحكام وأحاديثها في الخمر

تفسير أيات الأحكام وأحاديثها في الخمر


جمعه ورتبه : فاتح الندى و أندى قيم الدين

تحت إشراف: الأستاذة الدكتورة الحاجة خزيمة توحيد ينجو

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين وآله وصحبه أجمعين، أما بعد.
واعلم أن هدف الدين في المقام الأول سلامة الضرورات الخمس التي لا يستغني عنها الإنسان: سلامة النفس، وسلامة العرض، وسلامة المال، وسلامة العقل، وسلامة الدين. وكل التشريعات تدور حول سلامة هذه الضرورات الخمس، ولو نظرت إلى هذه الضرورات تجد أن الحفاظ عليها يبدأ من سلامة العقل، فسلامة العقل تجعله يفكر في دينه. وسلامة العقل تجعله يفكر في حركة الحياة. وسلامة العقل تجعله يحتاط لصيانة العرض. إذن فالعقل هو أساس العملية التكليفية التي تدور حولها هذه المسألة، والحق سبحانه وتعالى يريد ألا يخمر الإنسان عقله بأي شيء مُسكر. حتى لا يحدث عدوان على هذه الضرورات الخمس[1].
و في هذا البحث الموجز سيذكر الكاتبان تمهيد البحث ويحتوي على تعريف الخمر، حكمه وحكمة تحريمه التشريعية ثم ذكر بعض الأيات الكريمة والأحاديث الشريفة تدل على ذلك. وما وجدنا فيه من الصواب فهو من عند الله، وما من الخطأ فمن نفس الكاتبان. ولذا نرجو الإصلاح والاقتراح من القارئ ليكون هذا البحث نافعة للجميع.
·      تمهيد البحث
تعريف الخمر:
لغة: له ثلاثة معان:
1-     الستر والتغطية، ومنه: اختمرت المرأة إذا غطت رأسها ووجهها بالخمار.
2-     والمخالطة، ومنه قول الشاعر: هنيئا مريئا نمير داء مخامر. أي مخالط.
3-     والإدراك ومنه قولهم: خمرت العجين وهو  أن نتركه حتي يبلغ وقت إدراكه.
فمن هذه المعاني الثلاثة أخذ اسم الخمرة لأنها تغطي العقل تستره و لأنها تخالط العقل ولأنها تترك حتى تدرك وتستوي.
اصطلاحا: أنها اسم لكل ما خامر العقل وغطاه من أي نوع من الأشربة لحديث (كل مسكر خمر و كل خمر حرام)[2].
حكمه:
وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع، و سنذكر بعض الأيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي تدل على تحريم الخمر.
حكمة تحريم الخمر التشريعية:
لا شك أن تحريمه لمضرته الخطيرة الكثيرة، ويكفينا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. المائدة:90-91}. فذكر أنه سبب في شر وعائق عن كل خير وقال صلى الله عليه وسلم (الخمر أم الخبائث)، فجعلها أما وأساسا لكل شر وخبث. و أما مضرتها البدنية فقد أجمع عليها الأطباء لأنهم وجدوها سببا في كثير من الأمراض الخطيرة المستعصية[3].
واعلم أن قواعد الطب تدور على ثلاث قواعد: حفظ الصحة عن المؤذيات، والاستفراغ منها، والحمية عنها. وقد نبه تعالى عليها في كتابه العزيز.
أما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي، فقد أمر بالأكل والشرب وعدم الإسراف في ذلك، وأباح للمسافر والمريض الفطر حفظا لصحتهما، باستعمال ما يصلح البدن على وجه العدل، وحماية للمريض عما يضره.
وأما استفراغ المؤذي فقد أباح تعالى للمحْرِم المتأذي برأسه أن يحلقه لإزالة الأبخرة المحتقنة فيه، ففيه تنبيه على استفراغ ما هو أولى منها من البول والغائط والقيء والمني والدم، وغير ذلك.

·      الأيات الكريمة المتعلقة بالخمر
1. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. (سورة البقرة: 219).
شرح الكلمات:
{الخمر}: كل ما خامر العقل وغطاه فأصبح شاربه لا يميز ولا يعقل، ويطلق لفظ الخمر على عصير العنب أو التمر أو الشعير وغيرهما.
{الميسر}: القمار وسمي ميسراً لأن صاحبه ينال المال بيسر وسهولة.
{الإِثم}: كل ضار فاسد بالنفس أو العقل أو البدن أو المال أو العرض.
{المنافع}: جمع منفعة وهي ما يسرّ ولا يضر من سائر الأقوال والأفعال والموادّ.
{العفو}: العفو هنا: ما فضل وزاد عن حاجة الإِنسان من المال.
{تتفكرون}: فتعرفون ما ينفع في كل منهما فتعملون لدنياكم ما يصلحها، وتعملون لآخرتكم ما يسعدكم فيها، وينجيكم من عذابها[4].

سبب النزول:
وقد أخرج أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والضياء في المختارة، عن عمر أنه قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فإنها تذهب بالمال والعقل، فنزلت: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} يعني هذه الآية، فدعى عمر، فقرئت عليه فقال: اللهمّ بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت التي في سورة النساء: {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} [النساء: 43] فكان منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة نادى: «أن لا يقربن الصلاة» سكران، فدعى عمر، فقرئت عليه فقال: اللهمّ بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر، فقرئت عليه، فلما بلغ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91] قال عمر: انتهينا انتهينا. وأخرج ابن أبي حاتم، عن أنس قال: كنا نشرب الخمر، فأنزلت: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} الآية، فقلنا: نشرب منها ما ينفعنا، فنزلت في المائدة: {إِنَّمَا الخمر والميسر} [المائدة: 90] الآية فقالو: اللهمّ انتهينا[5].
البيان
يقول الله جل ثناؤه ما معناه: يسألك أصحابك يا محمد عن حكم تناول الخمر، وعن حكم الميسر (القمار) قل لهم: إن في مقارفة الخمر والميسر إثماً كبيراً، وضرراً عظيماً، وفيهما نفع مادي ضئيل، وضررهما أعظم وأكبر من نفعهما، فإن ضياع العقل، وذهاب المال، وتعريض الجسد للتلف في الخمر، وما يجرُّه القمار من خراب البيوت، ودمار الأسر، والصدّ عن عبادة الله وطاعته، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين، كل ذلك إذا قيس إلى النفع المادي التافه، ظهر الضرر الكبير الفادح في هاتين الموبقتين الخبيثتين. ويسألونك ماذا ينفقون من أموالهم، وماذا يتركون؟ قل لهم: أنفقوا الفضل والزيادة بقدر ما يسهل ويتيسر عليكم، مما يكون فاضلاً عن حاجتكم، وحاجة من تعولون، كذلك قضت حكمة الله أن يبيّن لكم المنافع والمضار، وأن يرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة، فتعلموا أن الأولى فانية، وأن الآخرة باقية، فتعملوا لها، والعاقل من آثر ما يبقى على ما يفنى[6].
فإن قيل: كيف يكون في الخمر منافع ، مع أنها تذهب بالمال والعقل؟
فالجواب: أن المراد بالمنافع في الآية (المنافع المادية) التي كانوا يستفيدونها من تجارة الخمر، يربحون منها الربح الفاحش، كما يربحون من وراء الميسر، ومما يدل على أن النفع مادي أن الله تعالى قرنها بالميسر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر.
قال العلامة القرطبي: «أمّا المنافع في الخمر فربح التجارة، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص، فيبيعونها في الحجاز بربح، وكانوا لا يرون المماكسة فيها، فيشتري طالب الخمر الخمر بالثمن الغالي، هذا أصح ما قيل في منافعها»[7].
ما يستفاد من الآية :
-      حرم الخمر والميسر حيث نسخت هذه الآية بآية المائدة لقوله تعالى فيها فاجتنبوه وقوله فهل أنتم منتهون.
-      بيان أفضل صدقة التطوع وهي ما كانت عن ظهر غنىّ وهو العفو في هذه الآية.
-      استحباب التفكر في أمر الدنيا والآخرة لإِعطاء الأولى بقدر فنائها والآخرة بحسب بقائها[8].

2. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (سورة النساء: 43).
شرح الكلمات :
{لا تقربوا}: لا تدنوا كناية عن الدخول فيها، أو لا تدنوا من مساجدها.
{سكارى}: جمع كسران وهو من شرب مسكراً فستر عقله وغطاه.
{تعلموا ما تقولون}: لزوال السكر عنكم ببعد شربه عن وقت الصلاة وهذا كان قبل تحريم الخمر وسائر المسكرات.
{ولا جنباً}: الجنب: من به جنابة وللجنابة سببان جماع، أو احتلام.
{عابري سبيل}: مارين بالمسجد مروراً بدون جلوس فيه.
{ الغائط}: المكان المنخفض للتغوط: أي التبرز فيه.
{لامستم النساء}: جامعتموهن.
{فتيمموا صعيداً طيباً}: اقصدوا تراباً طاهراً.
{عفواً غفوراً }: عفواً: لا يؤاخذ على كل ذنب، غفوراً: كثير المغفرة لذنوب عباده التائبين إليه[9].
سبب النزول:
قيل: نفس سبب نزول الأية السابقة.
وقيل: روى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ونحن نعبد ما تعبدون. قال: فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[10]


البيان:
نهى الله عباده المؤمنين عن أداء الصلاة في حالة السكر، لأن هذه الحالة لا يتأتى معها الخشوع والخضوع بمناجاته تعالى بكتابه وذكره ودعائه، وقد كان هذا قبل أن تحرم الخمر، وكان تمهيداً لتحريمه تحريماً باتاً، إذ لا يأمن من شرب الخمر في النهار أن تدركه الصلاة وهو سكران، وقد ورد أنهم كانوا بعد نزولها يشربون بعد العشاء فلا يصبحون إلا وقد زال عنهم السكر.
والمعنى: يا أيها المؤمنون لا تصلوا في حالة السكر حتى تعلموا ما تقولون وتقرؤون في صلاتكم، ولا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلاّ إذا كنتم مسافرين فإذا اغتسلتم فصلوا. وإن كنتم مرضى ويضركم استعمال الماء، أو مسافرين ولم تجدوا الماء، أو أحدثتم ببول أو غائط حدثاً أصغر، أو غشيتم النساء حدثاً أكبر، ولم تجدوا ماءً تتطهرون به، فاقصدوا صعيداً طيباً من وجه الأرض فتطهروا به، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ثم صلوا، ذلك رحمة من ربكم وتيسير عليكم، لأن الله يريد بكم اليسر، وكان الله عفواً غفوراً[11].
واختلف أهل التأويل في"السكر" الذي عناه الله بقوله: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".
فقال بعضهم: عنى بذلك السّكر من الشراب. وذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي: أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ:( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فخلط فيها، فنزلت:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى من النوم. وذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال: ليست لمن يقربها سكران من الشراب، إنما عُنِي بها سكر النوم[12].
ثم اختلف أهل التأويل في"الصلاة" التى عناها الله بقوله:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".
-  فمن العلماء من يرى أن المراد بالصلاة هنا: مواضعها وهى المساجد. فالكلام مجاز مرسل بتقدير مضاف فهو من باب ذكر الحال وإرادة المحل.
روى ابن جرير عن الليث قال: حدثنا يزيد بن أبى حبيب عن قول الله تعالى: {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم فى المسجد تصيبهم نابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء. ولا يجدون ممرا إلا فى المسجد. فأنزل الله تعالى {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}.
-  وقال بعض العلماء: وبالجملة فالحال الأولى أعنى قوله {وَأَنْتُمْ سكارى} تقوى بقاء الصلاة على معناها الحقيقى، من دون تقدير مضاف: وقوله: {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} يقوى تقدير المضاف. أى: لا تقربوا موضع الصلاة.
ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه. ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد. وهما: لا تقربوا الصلاة التى هى ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى. ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم المسجد من جانب إلى جانب. وغاية ما يقال فى هذا إنه من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز[13].
ما يستفاد من الآية الكريمة:
- حرمة مكث الجنب في المسجد، وجواز العبور والاجتياز بدون مكث.
- وجوب الغسل على الجنب وهو من قامت به جنابة بأن احتلم فرأى الماء أو جامع أهله فأولج ذكره في فرج امرأته ولو لم ينزل ماءً.
- أن من الواجب على المسلم عندما يتهيأ للصلاة أن يتجنب كل ما يتعارض مع الخشوع فيها، لأن الصلاة مناجاة ووقوف بين يدي الله تعالى، ومن شأن المناجى لله تعالى أن يتفرغ لذلك، وأن يكون على درجة من العلم والفهم تمكنه من الوقوف الخاشع بين يدى الله رب العالمين.
- أن الصلاة محرمة على السكران حال سكره حتى يصحوا. فإذا أداها حال سكره تكون باطلة، وكذلك الحكم بالنسبة للمحدث أو الجنب حتى يتطهر.
- استدلوا بقول تعالى: {حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} على أن المسلم منهى عن الصلاة حال النعاس أو ما يشبهه ، لأنه فى هذه الحالة لا يعلم ما يقول ويؤيد ذلك ما رواه البخارى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم. فان أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسب نفسه"[14].

3. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (سورة المائدة: 90-91).
شرح الكلمات :
{الخمر الميسر}: الخمر: كل مسكر كيفما كانت مادته وقلّت أو كثرت، والميسر: القمار.
{والأنصاب}: الأنصاب: جمع نصب. ما ينصب للتقرب به إلى الله أو التبرك به، أو لتعظيمة كتماثيل الرؤساء والزعماء في العهد الحديث.
{الأزلام}: جمع زلم: وهي عيدان يستقسمون بها في الجاهلية لمعرفة الخير من الشر والربح من الخسارة، ومثلها قرعة الأنبياء، وخط الرمل، والحساب بالمسبحة.
{رجس}: الرجس: المستقذر حساً كان أو معنى، إذ لمحرمات كلها خبيثة وإن لم تكن مستقذرة.
{من عمل الشيطان}: أي مما يزينّة للناس ويحببه إليهم ويرغبهم فيه ليضلهم.
{فاجتنبوه}: اتركوه جانباً فلا تقبلوا عليه بقلوبكم وابتعدوا عنه بأبدانكم.
{تفلحون}: تكملون وتسعدون في دنياكم وآخرتكم.
{ويصدكم}: أي يصرفكم.
{فهل أنتم منتهون}: أي انتهوا فالإِستفهام للأمر لا للإِستخبار.
{جناح فيما طعموا}: أي إثم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر قبل تحريم ذلك[15].\
سبب النزول:
وقد ذكرالمفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات. منها: ما قد ذكر فى سبب نزول الأية السابقة. ومنها: ما جاء في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: نزلت في آيات من القرآن، وفيه قال. وأتيت على نفر من الأنصار فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً وذلك قبل أن تحرم الخمر. قال فأتيتهم في حش-أي بستان- فإذا رأس جزور مشوى عندهم وزق من خمر قال: فأكلت وشربت معهم. قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار. قال: فأخذ رجل -من الأنصار- لحي جمل فضربني به فجرح أنفي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله تعالى {ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} الآيات. ومنها: ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار. شربوا حتى ثملوا، فعبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا، وجعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل هذا بي أخي فلان -وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن- والله لو كان بي رءوفاً رحيما ما فعل بي هذا، حتى وقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله: {ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ}[16].
البيان:
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا يؤاخذكم الله -أيها المؤمنون- بما جرى على ألسنتكم من لغو اليمين، الذي لم تتقصدوا فيه الكذب، أو لم تتعمد قلوبكم العزم على الحلف به، ولكن يؤاخذكم بما وثّقتموه من الأيمان فكفارة هذا النوع من الأيمان أن تطعموا عشرة مساكين من الطعام الوسط الذي تُطعمون منه أهليكم، أو تكسوهم بكسوة وسط، أو تعتقوا عبداً مملوكاً أو أمة لوجه الله، فإذا لم يقدر الشخص على الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق، فليصم ثلاثة أيام متتابعة، ذلك كفارة أيمانكم أيها المؤمنون فاحفظوا أيمانكم عن الابتذال وأقلوا من الحلف لغير الضرورة.
ثم أخبر تعالى في الآية الثانية بأن الخمر، والقمار، والذبح للأصنام، والاستقسام بالأزلام (الأقداح) كل ذلك رجسٌ مستقذر لا يليق بالمؤمن فعله وهو من تزيين الشيطان للإنسان، فيجب اجتنابه والبعد عنه، لأن غرض الشيطان أن يوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، ويمنعهم عن ذكر الله وأداء الصلاة، بسبب هذه المنكرات والفواحش التي يزينها للناس، فانتهوا أيها المؤمنون عن ذلك. ثم ختم تعالى الآيات بالأمر بطاعته وطاعة رسوله، والحذر من مخالفة أوامر الله تعالى، فإذا لم ينته الإنسان عن مقارفة المعاصي فقد استحق الوعيد والعذاب الشديد يوم القيامة[17].
واختلف العلماء فى نجاسة الخمر إلى القولين:
فهم العلماء من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها.
خالفهم في ذلك (المزني) صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من فقهاء الحنفية فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرّم إنما هو شربها، وقالوا لا يلزم من كون الشيء محرماً أن يكون نجساً، فكم من محرم في الشرع ليس بنجس!
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، لأن قوله تعالى: {رِجْسٌ} يدل على نجاستها، فإن الرجس في اللغة القذر والنجاسة، وقد دلّ على نجاستها أيضاً ما روي أن بعض الصحابة قالوا يا رسول الله: إنّا نمر في سفرنا على أهل كتاب يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر فماذا نصنع؟ فأمرهم عليه السلام بعدم الأكل أو الشرب منها، فإن لم يجدوا غيرها غسلوها ثم استعملوها.
فالأمر بالغسل يدل على عدم الطهارت إذ لو كانت طاهرة غير متنجسة لما أمرهم بغسلها[18].
ما يستفاد من الآية الكريمة:
- اليمين اللغو لا كفارة فيها وإنما تجب في اليمين المنعقدة.
- لا تصح الكفارة بالصيام إلا عند العجز عن الإطعام أو الكسوة أو العتق.
- الخمر والميسر من أخطر الجرائم الإجتماعية ولهذا قرنا بالأنصاب والأزلام.
- العداوة والبغضاء تتولدان من جريمتي ( الخمر ) و ( القمار ).
- القمار مرض اجتماعي خطير يهدّم البيوت ويخرّب الأسر ويقضي على الاقتصاد.
- وجوب الابتعاد عن كل ما حرّمه الله عز وجل وخاصة الكبائر كالخمر والميسر[19].

·      والأحاديث الشريفة المتعلقة بالخمر
الحديث الأول: بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ ((كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ))[20]. أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 71 باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر.
شرح الكلمات:
{البتع}: هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَة مَكْسُورَة ثُمَّ تَاء مُثَنَّاة فَوْق سَاكِنَة ثُمَّ عَيْن مُهْمَلَة ، وَهُوَ نَبِيذ الْعَسَل ، وَهُوَ شَرَاب أَهْل الْيَمَن ، قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَيُقَال : أَيْضًا بِفَتْحِ التَّاء الْمُثَنَّاة كَقِمْعٍ وَقِمَع[21].

سبب الورود:
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بِهَا أَشْرِبَةً يُقَالُ لَهَا الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ قَالَ: وَمَا الْبِتْعُ؟ قُلْت: شَرَابٌ يَكُونُ مِنْ الْعَسَلِ وَالْمِزْرُ يَكُونُ مِنْ الشَّعِيرِ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ[22].
البيان:
الرَّسُوْلُ عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ فَكَانَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ أَبْعَاضِهِ وَإِنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهِ حَرَامٌ وَبَعْضَهَا حَلَالٌ لَقَالَ: كُلُّ مِقْدَارٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَقَالَ: كُلُّ مَا أَسْكَرَ مِنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَاسْتَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ لَفْظَ الشَّرَابِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ اسْمَ الشَّرَابِ وَاقِعٌ عَلَى الْجِنْسِ دُونَ بَعْضِ مَقَادِيرِهِ فَإِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالْجِنْسِ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْقَدْرِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ما يستفاد من الحديث:
-  أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُفْتِي إِذَا رَأَى بِالسَّائِلِ حَاجَة إِلَى غَيْر مَا سَأَلَ أَنْ يَضُمّهُ فِي الْجَوَاب إِلَى الْمَسْئُول عَنْهُ ، وَنَظِير هَذَا الْحَدِيث حَدِيث: " هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَته "[23].
-      بيان أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام.

الحديث الثاني: تحريم التداوي بالخمر
عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ:
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ.
شرح الكلمات:
{الداءُ}: هو اسم جامع لكل مرَض وعَيْب في الرجال ظاهر أَو باطن. والجمع أَدْواءٌ.
{الدواءُ}: هو اسم لكل ما يتداوى به[24].                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  البيان:
أن الله تبترك وتعالى أنزل الداء، وأنزل معه الدواء وأمر به، وخلق الأطعمة والأشربة فأحل منها ما أحل وحرم ما حرم، فامتنع لأجل هذا أن يكون الدواء فيما حرم، لأن حينئذ يكون أمر بأخذ ما حرم. وهذا تناقض. وقد جاء هذا الحديث يخبر بأنه ليس فى شئ مما حرم الشفاء[25].
هذا دليل لتحريم اتخاذ الخمر وتخليلها وفيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوى بها لأنها ليست بدواء فكأنه يتناولها بلا سبب. وهذا هو الصحيح عند أصحابنا أنه يحرم التداوى بها وكذا يحرم شربها للعطش.
 وأما اذا غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرا فيلزمه الاساغة بها لأن حصول الشفاء بها حينئذ مقطوع به بخلاف التداوى[26].
ما يستفاد من الحديث:
-      لا يجوز التداوي بشيء محرم كالخمر ولا دفع العطش به ولا اساغة لقمة من غص به[27].
-      جواز السؤال لتأكيد ما أبهم.

الحديث الثالث:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ، فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ فَأَنْزَلَ اللهُ (لَيْسَ عَلَى الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) الآية
أخرجه البخاري في: 46 كتاب المظالم: 21 باب صب الخمر في الطريق. وأخرجه البخاري أيضا في التفسير عن أبي النعمان عن حماد وفي الأشربة عن إسماعيل بن عبد الله وأخرجه مسلم في الأشربة عن أبي الربيع الزهراني عنه به وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن حرب عنه
شرح الكلمات:
{ قوله وكان خمرهم يومئذ الفضيخ أصل الخمر من المخامرة وهي المخالطة}: هُوَ: كنت أسقي أبا طلحة وأبا دجانة ومعاذ بن جبل في رهط من الأنصار.
والفضيخ بفاء مفتوحة وضاد وخاء معجمتين شراب يتخذ من البسر من غير أن تمسه النار.
فأهرقها الهاء فيه زائدة وأصله أراقها من الإراقة وهي الإسالة والصب.
في سكك المدينة أي في طرقها جمع سكة بالكسر[28].
سبب الورود:
عن ابن عباس قال لما حرمت الخمر قال أناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( المائدة 93 )[29].
البيان:
قال المهلب: إنما جاز هرق الخمر فى الطرق للسمعة، بهرقها والتشنيع، و الائتمار لله فى رفضها والإعلان بنبذها، ولولا ذلك ما حسن هرقها فى الطريق، من أجل أذى الناس فى ممشاهم، ونحن نمنع من إراقة الماء الطاهر فى الطريق من أجل أذى الناس فى ممشاهم فكيف بالخمر[30].
ما يستفاد من الحديث:
-      تحريم الخمر.
-      قبول خبر الواحد.
-      حرمة إمساكها.
-  واستدل به ابن حزم على طهارة الخمر لأن الصحابة كان أكثرهم يمشي حافيا فما يصيب قدمه لا ينجس به[31].

الحديث الرابع: كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين
حديث جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالرُّطَبِ
أخرجه البخاري في: 74 كتاب الأشربة: 11 باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرًا.
شرح الكلمات:
{نهى : نهي تنزيه}
عن الزبيب والتمر: أي الجمع بينهما تنبيذا.
والبسر والرطب: أي الجمع بينهما تنبيذا[32].
البيان:
كان النهى فى الحديث عن الخليطين المسكر، فما حكم ما لا يسكر؟
وليس النهى عن الخليطين من جهة الإسكار؛ لأن المسكر مأمور بهرقه قليله وكثيره. وقد سئل الشافعى عن رجل شرب خليطين مسكرًا فقال: هذا بمنزلة رجل أكل لحم خنزير ميت، فهو حرام من جهتين: الخنزير حرام والميتة حرام، والخليطان حرام والمسكر حارم.
وإنما نهى عن الخليطين وإن لم يسكر واحد منهما - والله أعلم - من أجل خيفة إسراع السكر إليهما ، وحدوث الشدة فيهما ، وأنهما يصيران خمرًا وهم لا يظنون[33].
ما يستفاد من الحديث:
-      نهى الله في الخليطين للتنزيه.
-      وإذا صار مسكرا فللامتناع[34].

الحديث الخامس:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ فَلَمْ يُسْقَهَا.
شرح الكلمات:
(من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها) حتى مات، وأما "ثم" إشعار بأن تراخي التوبة لا يمنع قبولها ما لم يغرغر.
(حرم) ضم الحاء المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان أي منع من شربها[35].
البيان:
ما هى التوبة النصوح عند الله؟
قال أبو عمر:
التوبة أن يترك ذلك العمل القبيح بالنية والفعل ويعتقد أن لا يعود إليه أبدا ويندم على ما كان منه فهذه التوبة النصوح المقبولة إن شاء الله عند جماعة العلماء والله بفضله يوفق ويعصم من يشاء[36].
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله: (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه). رواه أبو داود.
هل خمر الدنيا لايفارق خمر الأخوة؟
وذلك لأن في الجنة خمراً، ولكن ليست كخمر الدنيا، قال الله تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً} [النبأ:34-35] فخمر الدنيا فيها اللغو وفيها الكذب، وأما خمر الجنة فهي سالمة من ذلك، فهي سالمة من اللغو ومن الغول الذي هو السكر، فهذه هي خمر الجنة[37].
ما يستفاد من الحديث:
-      تحريم الخمر.
-  أن شربها من الكبائر لأن هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة لأن الله عز وجل أخبر أن الجنةفيها أنهار من خمر لذة للشاربين لا يصدعون عنها ولا ينزفون والظاهر أن من دخل الجنة لا بد له من شرب خمرها[38].
-      أجمع العلماء على أن شارب الخمر ما لم يتب منها فاسق مردود الشهادة[39].
-      أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وهو مجمع عليه[40].

الحديث السادس:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُا أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
شرح الكلمات:
{جريدتين}: مثنى جريدة، وهى سعفة الخل الطويلة، يابسة كانت أم رطبة.
الحدود: هو جمع الحد وهو: الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أَحدهما بالآخر أَو لئلا يتعدى أَحدهما على الآخر وجمعه حُدود، وحَدُّ السارق وغيره ما يمنعه عن المعاودة ويمنع أَيضاً غيره عن إِتيان الجنايات وجمعه حُدُود وحَدَدْت الرجل أَقمت عليه الحدّ[41].

والبيان:
اختلف العلماء فى معنى قوله (فجلده بجريدتين نحو أربعين) فالشافعية يقولون: أن الجريدتين كانتا مفردتين، جلد بكل واحدة منهما عددا حتى كمل من الجميع أربعون. وققال الأخرون: ممن يقول جلد الخمر ثمانون: معناه أنه جمعهما فجلده بهما أربعين جلدة فيكون المبلغ ثمانين[42].
ما يستفاد من الحديث:
-      أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل حد شارب الخمر أربعين جلدة.
-      أن عمر رضى الله عنه جلد ثمانين وأقره على ذلك جمع من الصحابة تعزيرا لاحدا.
-      مشروعية الشورى فى مصلحة الأمة[43].

·      المراجع
1.   القرآن الكريم.
2.   الامام محمد متولى الشعروى، تفسير الشعراوى (أخبار اليوم للطباعة).
3.   الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بشام، تيسير العلام (المكتبة الشاملة).
4.   أبو بكر الجزائري، أيسر التفاسير (مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة) الطبعة الأولى.
5. محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير (المكتبة الشاملة).
6.   محمد على الصابونى، تفسير أيات الاحكام (دار ابن عبود – بيروت) الطبعة الأولى 1425 هـ.
7. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية) 1423 هـ.
8. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن (مؤسسة الرسالة) 1420 هـ.
9.   محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط (المكتبة الشاملة).
10.   الإمام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، شرح النووي على صحيح مسلم (المكتبة الشاملة).
11.         الإمام أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح الموطأ (المكتبة الشاملة).
12.   الشيخ أبو عبد الله عبد السلام علوش، إبانة الأحكام شرح بلوغ المرام (دار الفكر) الطبعة الأولى 1424 هـ.
13.   أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، فتح البارى شرح صحيح البخاري (دار المعرفة – بيروت) 1379 هـ.
14.         بدر الدين العيني الحنفي، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (المكتبة الشاملة).
15.   ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، شرح صحيح البخارى (مكتبة الرشد - السعودية – الرياض) 1423 هـ.
16.         محمد الفضيل بن محمد الفاطمي الشبيهي، الفجر الساطع على الصحيح الجامع (المكتبة الشاملة).
17.         محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (دار الكتب العلمية).
18.   أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (المكتبة الشاملة).
19.         عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين، شرح عمدة الأحكام (المكتبة الشاملة).
20.   محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (دار الكتب العلمية – بيروت).
   21 .   أبو الفضل جمال الدين ابن المنطور محمد بن مكرم الأنصارى الرويفعى الإفريقى، لسان العرب (الكتبة الشاملة).


[1] . الامام محمد متولى الشعروى، تفسير الشعراوى، ج: 1/584.
[2] . الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بشام، تيسير العلام، ج. 2 / ص. 450.
[3] . المرجع السابق، ص. 451.
[4] . أبو بكر الجزائري، أيسر التفاسير، م. 1 / ص. 104 (مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة) ط – الأولى.
[5] . محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير، ج. 1 / ص. 275.
[6] . محمد على الصابونى، تفسير أيات الاحكام، ج. 1 / ص. 115 (دار ابن عبود – بيروت) ط – الأولى، 1425 هـ.
[7] . المرجع السابق، ص. 118.
[8] . أيسر التفاسير، م. 1 / ص. 105.
[9] . المرجع السابق، ج. 1 / ص. 264.
.[10] أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج. 5 / ص. 200 (دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية) 1423 هـ.
[11] . تفسير أيات الاحكام، ج. 1 / ص. 219.
[12] . محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج. 8 / ص. 376 (مؤسسة الرسالة) 1420 هـ.
[13] . محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط، ج. 1 / ص. 950.
[14] . أيسر التفاسير، م. 1 / ص. 264.
[15] . المرجع السابق، ج. 1 / ص. 374.
[16] . التفسير الوسيط، ج. 1 / ص. 1360.
[17] . تفسير أيات الاحكام، ج. 1 / ص. 260.
[18] . المرجع السابق، ج. 1 / ص. 263.
[19] . المرجع السابق.
[20] .  أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 71 باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر.
[21] . الإمام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، ج. 7 / ص. 29، باب بيان أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام.
[22] . الإمام أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح الموطأ، ج. 4 / ص. 191، باب تحويم الخمر
[23] . المرجع السابق.
[24] . أبو الفضل جمال الدين ابن المنطور محمد بن مكرم الأنصارى الرويفعى الإفريقى ، لسان العرب، ج. 1 / ص. 79.
[25] . الشيخ أبو عبد الله عبد السلام علوش، إبانة الأحكام شرح بلوغ المرام، باب بيان تحريم التداوى بالخمر وبيان أنها ليست بدواء، ج.4 / ص. 113 (دار الفكر) ط. الأولى 1424 هـ.
[26] . شرح النووي على صحيح مسلم، باب بيان تحريم التداوى بالخمر وبيان أنها ليست بدواء، ج. 13 / ص. 153.
[27] . أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، فتح البارى شرح صحيح البخاري، باب الاقتداء بسنن الرسول، ج. 13 / ص. 261 (دار المعرفة – بيروت) 1379 هـ.
[28] . بدر الدين العيني الحنفي، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، باب بيان صب الخمر فى الطريق، ج. 19 / ص. 291.
[29] . المرجع السابق، ص. 292.
[30] . ابن بطال، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، شرح صحيح البخارى،  كتاب المظالم والغصب، ج. 6 / ص. 588 (مكتبة الرشد - السعودية – الرياض) 1423 هـ.
[31] . المرجع السابق، ص. 293.
[32] . محمد الفضيل بن محمد الفاطمي الشبيهي، الفجر الساطع على الصحيح الجامع، كتاب الأضاحى، ج. 8 / ص، 19.
[33] . شرح صحيح البخارى لابن بطال ، ج. 6 / ص. 62.
[34] . فتح البارى شرح صحيح البخاري، باب من رأى أن لايخلط البسر والتمر، ج. 10 / ص. 68.
[35] . محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، باب تحريم الخمر، ج. 4 / ص. 210 (دار الكتب العلمية).
[36] . أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، الحديث الخامس والأربعون، ج. 15 / ص. 12.
[37] . عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين، شرح عمدة الأحكام، باب بعض الأدلة على تحريم الخمر، ج. 7، ص: 6.
[38] . التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، الحديث الخامس والأربعون، ج. 15 / ص. 5.
[39] . المرجع السابق، ص. 15.
[40] . محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ج. 5 / ص. 586 (دار الكتب العلمية – بيروت).
[41] . لسان العرب، حرف الدال، ج: 3، ص: 140.
[42] . إبانة الأحكام شرح بلوغ المرام، كتاب الحدود باب حد الشارب وبيان المسكر، ج. 4 / ص. 104.
[43] . المرجع السابق.
 

Tidak ada komentar:

Posting Komentar