{ حديث :
"السكينة عند المشي إلى المسجد" }
نص
الحديث:
ما
رواه البُخاري[1]
ومُسلمٌ وأصحاب السُّنن عن أبي هُريرة - والّلفظ لمسلم - أنَّ رسول الله - صلّى
الله عليه وسلّم - قال :" إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاةُ فَلا
تَأْتُوهَا وَأنْتُم تَسْعُونَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ ،وَعَلَيْكُمُ السَّكِيْنَةُ
، فَمَاأدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأتِمُّوا".[2]
ويقابله
قول الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِيْن آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ
مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا إلى ذِكْرِ اللهِ ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ
كُنْتُم تَعْلَمُون }.[3]
وجه
التعارض:
أن
الحديث مخالف تماما لما جاءت عليه في النص الثاني . نلاحظ أن الآية تحث على السعي
إلى الصلاة ، والحديث ينهى عن السعي إلى الصلاة وعلى هذا فإن اعترض معترض ، أو
استشكل أمرؤٌ فعنده ما يستند إليه ، لأجوبة العلماء وكلامهم على الحديث والآية كما
سنقرأ بعد:
قول
العلماء في فهم الحديث:
ذكر
النَّوويُّ في شرحه للحديث ما يُشعر بذلك فقال : (فيه النَّدب الأكيد إلى إتيان
الصَّلاة بسكينةٍ ووقارٍ ، والنَّهي عن إتيانها سعياً سواءٌ فيه صلاة الجمعة
وغيرها ، سواءٌ خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا ، والمراد بقول الله تعالى "
فاسعوا إلى ذكر الله : الذَّهاب ، يقال : سعيت في كذا أو إلى كذا إذا ذهبت إليه
وعملت فيه.)[4]
وذكر
ابن كثيرٍ في تفسيره للآية أنَّ السَّعي هو الاهتمام فقال:[5] أي
اقصدوا واعمدوا اهتموا في سيركم إليها ، وليس المراد بالسَّعيِّ ها هنا المشي
السَّريع ، وإنَّما هو الاهتمام بها ، كقوله تعالى :{ وَمَنْ أرَادَ الآخِرَةَ
وَسَعَى لَهَا سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ}[6]
ومثل
هذا التَّفسير مرويٌّ عن الشَّافعي- رحمه الله - حيث يقول:[7] (
ومعقولٌ أنَّ السَّعي في هذا الموضع العمل لا السَّعي على الأقدام ، قال تعال :{
إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }[8]
قال :{ وَمَنْ أرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ }[9]
قال :{ وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورَاً }[10] وقال: {
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيْهَا }[11]
. ومما
يؤيد هذا الفهم ، ما رواه البَيْهقي[12] :
عن عبدالله بن الصَّامت قال : خرجت إلى المسجد يوم الجمعة ، فلقيت أباذرٍ - رضي
الله عنه - فبينا
أنا أمشي إذ سمعت النِّداء ، فرفعت في المشي لقول الله عز وجل : {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوا
إلى ذِكْرِ اللهِ } فجذبني جذبةً كدت أن أُلاقيه فقال : " أو لسنا في
سعيٍ"؟ لذلك كان عمر بن الخطَّاب وابن مسعودٍ - رضي الله عنهما - يقرآنها :
فامْضُوا إلى ذكر الله بدلاً من فاسعوا ،[13]
وهو ما يؤيِّد ما قدَّمت من أجوبةٍ للعلماء ، وأفعالٍ للصَّحابة.
ولهذا
لا اختلاف ولا تعارض بين ما أمر به الكتاب العزيز ، ونهت عنه السُّنَّة المُشرَّفة
لأنَّ اتِّفاق الَّلفظيين ، لا يعني اتِّفاق المعنيين وهذا ما أكَّده وركَّز عليه
ابن خُزَيمة حيث قال[14] :
( باب الأمر بالسَّكِينة في المشي إلى الجُمُعة ، والنَّهي عن السَّعي إليها
والدَّليل على أنَّ الاسم الواحد يقع على فعلين يُؤمر بأحدهما ويُزْجر عن الآخر بالاسم
الواحد ، فمن لا يفهم العلم ولا يُميِّز بين المعنيين قد يخطر بباله أنَّهما
مختلفان ، قد أمر الله عزَّوجلَّ في نصِّ كتابه بالسَّعي إلى الجمعة في قوله :{
يَا أيُّهَا الّذِيْن آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاِة مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ
فَاسْعَوا إلىذِكْرِاللهِ } والنَّبيُّ المصطفى- صلّى الله عليه وسلّم - قد نهى عن السَّعي إلى
الصَّلاة فقال - صلّى الله عليه وسلّم :" إذَا أتيْتُم الصَّلاة فَعَلَيْكُم
السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ." وقال - صلّى الله عليه وسلّم -:" فَإِذَا أتَيْتم
الصَّلاة فلا تَسْعُوا إليهَا وامْشُوا وَعَلَيْكُم السَّكِيْنَةُ. "[15]
فالله
عزَّ وجلَّ أمر بالسَّعي إلى الجُمُعة ، والنَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قد نهى
عن السَّعي إلى الصَّلاة. فالسَّعي الّذي أمر الله به إلى الجمعة هو المُضيُّ
إليها ، غير السَّعي الَّذي زجر النَّبي صلّى الله عليه وسلّم في إثبات الصَّلاة ،
لأنَّ السَّعي الَّذي زجر النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم هوالخَبب وشدَّة المشي إلى
الصَّلاة الّذي هو ضدّ الوقار والسَّكينة ، فما أمر الله عزَّ وجل به غير ما زجر
النَّبي صلّى
الله عليه وسلّم عنه ، وإن كان الاسم الواحد يقع عليهما جميعا.
وكلُّ
ما قدَّمته عن السعي والمراد بكلٍّ منهما في القرآن وفي الحديث تؤيِّده الُّلغة
ويعضده فهم الُّلغويين ، حيث قال ابن منظورٍ:[16] السَّعي : عَدْوٌ دون الشَّدِّ ، سعى يسعى سعياً ، وفي الحديث
: " إذا أقيمت الصَّلاة .... " ، فالسَّعي هنا العدْو ، سعى إذا عدا ، وسعى إذا مشى ، وسعى إذا
عمل وسعى إذا قصد ، وإذا كان بمعنى المُضِيِّ عُدِّي بإلى ، وإذا كان بمعنى العمل
عُدِّيَ بالَّلام ، والسَّعي : القصد ، وبذلك فُسِّر قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر
الله ، وليس من السَّعي الّذي هو العَدْو.
والله أعلم.
[2] الصحيح ،المساجد /28 باب
استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة : 1/420 رقم(602) ،وأخرجه كذلك :أبو داود
،الصلاة/ السعي إلى الصلاة :1/156 رقم (572) ،والتِّرمِذي ،أبواب الصلاة /244 باب ما جاء في المشي إلى
المساجد:2/148-149 رقم(327) ،والنَّسائي ،الإقامة /السعي إلى الصلاة:2/114-115
،وابن ماجه ،المساجد/ المشي في= = الصلاة :1/255رقم(775) والدَّارمي في "السنن" : 1/293-294
،ومالك في "الموطأ" :1/58 ،وأحمد في "المسند" : 5/310 ،وابن خُزيمة في
"الصحيح" :3/139
[13] انظر: ابن كثير - التفسير
: 4/365 ، والقُرطبي - الجامع لأحكام القرآن : 18/103 ، دار إحياء التراث العربي - بيروت تحقيق : أحمد عبد العليم
البردوني ، وقال القرطبي عقب ذلك : وهو تفسيرٌ منهم لا قراءة قرآنٍ منزلٍ ، وجائزٌ
قراءة القرآن بالتَّفسير في معرض التَّفسير ،وما روي عن عمر بن الخطَّاب جاء
بإسنادٍ صحيحٍ كما عند البَيْهقي : 3/227 أمَّا ما جاء عن ابن مسعود فهو منقطع كما
قال القُرطبي .
[15] رواه الإمام أحمد في
المسند: 3/478، والبُخاري في "االتاريخ الكبير":4/73، والنَّسائي في "التفسير":2/496، رقم (669)،
والطَّبراني في "المعجم الكبير":7/39-40 رقم (6319) وابن حَزْمٍ في
"الفصل":4/130، تحقيق د. محمد إبراهيم نصر، و د. عبد الرحمن عميرة دار
الجيل - بيروت، 1405هـ/1985 والحديث مرويٌّ من طريق عبد الله بن مسعود كذلك كما
أخرجه أبو داود في "السنن" 4/230 رقم (4717) ،
والبُخاري في التاريخ الكبير" :4/74 . وابن حبان في" الصحيح "كما
في "الإحسان":16/521-522،
في مسنده":2/119 ، ، والطَّبراني في "المعجم الكبير":10/93رقم
(10059) ، والشَّاشِي في" مسنده":2/119 ، ورواه البَزَّار في
"البحر الزَّخار": 5/42 ، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله،
[16] هو جمال الدين
أبو الفضل محمد بن المكرم الأنصاري الخزرجي الإفريقي ، أصله من مدينة قفصة في تونس
، نزل مصر وعرف باسم ابن منظور ، صاحب التأليف الكثيرة منها " لسان العرب
" ، و " مختصر تاريخ دمشق " ، توفي سنة : (711 هـ /1311م )، انظر
ترجمته .
Tidak ada komentar:
Posting Komentar