Selasa, 14 Februari 2012

الامام البخاري ومنهجه فى صحيحه


أ‌.    المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من المتفق عليه بين المسلمين أن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، ولهذه المنزلة العظيمة التي تتبوؤها السنة كانت ولا تزال محل عناية كبيرة من علماء المسلمين عموماً والمحدثين على وجه الخصوص، فإنهم لم يدخروا وسعاً ولم يألوا جهداً في سبيل المحافظة عليها، وإبقائها سليمة من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، فوضعوا لذلك منهجاً علمياً متميزاً وفريداً كان هو المعيار الذي توزن به الأخبار، وكان هذا المنهج نتاجاً لجهود عظيمة بذلها أئمة الحديث وحفّاظه من لدن الصحابة إلى أن استقرت قواعده، ورست أركانه، واتضحت معالمه، وأينعت ثماره في القرن الثالث الهجري.

وكان من الأئمة الذين أسهموا في تشييد دعائم هذا المنهج الإمام الكبير أمير المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري (رحمه الله تعالى) ولم تكن إسهامات هذا الإمام واضحة، لأنها لم تكن قواعد نظرية مجموعة في كتاب، وإنما كانت أعمالاً وتطبيقاً لتلك القواعد في ثنايا كتبه الكثيرة، ولعل أبرز كتب هذا الإمام بل أبرز كتب الحديث على الإطلاق - الجامع الصحيح - ففي هذا الكتاب ظهرت عبقرية هذا الإمام، فهو تطبيق عملي ودقيق لقواعد هذا المنهج، فكان بحق أصح كتاب بعد كتاب الله، فجاء هذا البحث ليستخرج ويستنبط أسس المنهجية التي يستعملها البخاري - رحمه الله - في تصحيح الأحاديث وتعليلها. وهذه القواعد جاءت مطبقة في كتابه ولم يصرح بها وإنما يستعان على كشفها بأقوال العلماء ممن اهتموا بالجامع الصحيح شرحاً وتعليقاً واستدراكاً وانتقاداً.
ب. ترجمة الإمام البخاري
1. اسمه ونسبه وكنيته ولقبه ونسبته ومولده
هو امير المؤمنين فى الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي البخاري. وأما الجعفي فلأن أبا جده - وكان مجوسيا- أسلم على يد الميمان الجعفي ولى بخارى، فنسب إليه لأنه مولاه من فوق[1] ونسب الي بخارى لانه ولد فيها.
وقد طلب والد البخاري العلم، قال البخاري:" سمع أبي من مالك بن أنس، ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه [2]".
ولد الإمام البخاري يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة.[3]
2. رحلته العلميه
طلب العلم وهو صبي، وكان يشتغل بحفظ الحديث وهو في الكتاب ولم تتجاوز سنه عشر سنين، وكان يختلف إلى محدثي بلده مثل محمد بن سلام ومحمد بن يوسف البيكنديين وعبد الله بن محمد المسندي وابن الأشعث وغيرهم. ويرد على بعضهم خطأه فلما بلغ ستة عشر سنة، كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع وعرف فقه أصحاب الرأي، ثم خرج مع أمه وأخيه أحمد إلى مكة، فلما حجّ رجع أخوه بأمه، وتخلف هو في طلب الحديث فسمع بمكة من الحميدي وغيره وبالمدينة من عبد العزيز الأويسي ومطرف ابن عبد الله وغيرهم ثم رحل إلى أكثر محدثي الأمصار في خراسان والشام ومصر ومدن العراق وقدم بغداد مرارا واجتمع إليه أهلها واعترفوا بفضله وشهدوا بتفرده في علمي الرواية والدراية وسمع ببلخ من مكي بن إبراهيم وغيره وبمرو من علي بن الحسن وعبد الله بن عثمان وغيرهما وبنيسابور من يحيى بن يحيى وغيره وبالري من إبراهيم بن موسى وغيره وببغداد من شريح بن النعمان وأحمد بن حنبل وغيرهما وبالبصرة من أبي عاصم النبيل ومحمد بن عبد الله الأنصاري وغيرهما وبالكوفة من طلق بن غنام وخلاد بن يحيى وغيرهما وبمصر من سعيد بن كثير بن عفير وغيره وسمع من أناس كثيرين غير هؤلاء.[4]
3. شيوخه
لقد أخذ البخاري عن شيوخ كثيرين قد ذكرهم من ترجم للبخاري. فمنهم من صنفهم على حروف المعجم كالمزي في تهذيب الكمال وحاول استقصاءهم، وذكرهم الذهبي في السير على البلدان، وذكرهم أيضاً على الطبقات، وقد تبعه الحافظ ابن حجر في ذكرهم على الطبقات.
وقال رحمه الله : " كتبت عن ألف وثمانين رجلاً ليس منهم إلا صاحب حديث. كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ".[5]
ومن شيوخ البخاري :
1.  إبراهيم بن حمزة الزبيري
2.  إبراهيم بن المنذر الحزامي
3.  إبراهيم بن موسى الرازي
4.  أحمد بن حنبل
5.  أحمد بن صالح المصري
6.  أحمد بن أبي الطيب المروزي
7.  أحمد بن محمد الأزرقي
8.  آدم بن أبي إياس العسقلاني
9.  أبي النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي
10.        إسحاق بن راهويه
11.        إسماعيل بن أبان الوراق
12.        إسماعيل بن أبي أويس
13.        أيوب بن سليمان بن بلال
14.        بدل بن المحبر
15.        ثابت بن محمد الشيباني الزاهد
16.        جعفر بن عبد الله السلمي البلخي
17.        حجاج بن منهال الأنماطي
18.        الحسن بن بشر البجلي
19.        والحسن بن الربيع البوراني
20.        أبي عمر حفص بن عمر الحوضي
21.        أبي اليمان الحكم بن نافع
22.        خالد بن مخلد
23.        خلاد بن يحيى
24.        وداود بن شبيب الباهلي
25.        الربيع بن يحيى الأشناني
26.        زكريا بن يحيى البلخي
27.        سريج بن النعمان الجوهري
28.        سعيد بن الحكم بن أبي مريم ت
29.        سعيد بن سليمان الواسطي
30.        وسعيد بن كثير بن عفير
31.        سليمان بن حرب
32.        سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي
33.        شهاب بن عباد العبدي
34.        صدقة بن الفضل المروزي
35.        الصلت بن محمد الخاركي
36.        أبي عاصم الضحاك بن مخلد
37.        طلق بن غنام النخعي
38.        أبي بكر عبد الله بن أبي الأسود ت
39.        عبد الله بن الزبير الحميدي
40.        وغيرهم كثيرون[6]
4. تلاميذه
روى عنه خلق كثير منهم:
1.  أبو عيسى الترمذي
2.  الإمام مسلم في غير " صحيحه ".
3.  إبراهيم بن إسحاق الحربي
4.  أبو بكر بن أبي الدنيا
5.  أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم
6.  أبو بكر أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي
7.  أبو حامد أحمد بن محمد بن عمار النيسابوري
8.  أبو عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفاف النيسابوري
9.  أحيد بن أبي جعفر والي بخارى
10.       آدم بن موسى الخواري
11.       إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري
12.       إسحاق بن أحمد بن زيرك الفارسي
13.       إسحاق بن داود الصواف التستري
14.       أبو سعيد بكر بن منير بن خليد بن عسكر البخاري
15.       جعفر بن محمد بن موسى النيسابوري الحافظ
16.       جعفر بن محمد القطان إمام جامع كرمينية
17.       حاتم بن خجيم الأفراني
18.       حاشد بن إسماعيل البخاري
19.       حاشد بن عبد الله بن عبد الواحد
20.       الحسن بن الحسين القزاز البخاري
21.       الحسين بن إسماعيل المحاملي وهو آخر من روى عنه ببغداد
22.       والحسين بن محمد بن حاتم عبيد العجل
23.       الحسين بن محمد بن زياد القباني
24.       وسليم بن مجاهد بن يعيش الكرماني
25.       وغيرهم كثيرون.[7]
5. عبادته وورعه وصلاحه
وكما جمع الإمام البخاري بين الفقه والحديث فقد جمع الله له بين العلم والعبادة. فقد كان كثير التلاوة والصلاة، وخاصة في رمضان فهو يختم القرآن في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة.[8]
وكان أحياناً يعرض له ما يؤذيه في صلاته فلا يقطعها حتى يتمها، فقد أبَّره زنبور في بيته سبعة عشر موضعاً وقد تورّم من ذلك جسده فقال له بعض القوم: كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك ؟ فقال : كنت في سورة فأحببت أن أتمها.[9]
كما كان - رحمه الله - ورعاً في منطقه وكلامه فقال رحمه الله: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.[10]
قال الذهبي معلقاً على كلامه هذا: قلت: صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه، فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا. وقل أن يقول : فلان كذاب، أو كان يضع الحديث، حتى إنه قال: إذا قلت فلان في حديثه نظر، فهو متهم واه. وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا. وهذا هو والله غاية الورع.[11]
6. ثناء الأئمة عليه
أثنى عليه أئمة الإسلام، وحفاظ الحديث ثناءً عاطراً واعترفوا بعلمه وفضله وخاصة في الرجال وعلل الحديث، وهذا شيء يسير من ثناء هؤلاء الأئمة عليه.
قال الإمام البخاري رحمه الله : ذاكرني أصحاب عمرو بن علي الفلاس بحديث، فقلت: لا أعرفه فسُروا بذلك، وصاروا إلى عمرو فأخبروه، فقال: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.[12]
وكان إسحاق بن راهوية يقول: اكتبوا عن هذا الشاب - يعني البخاري - فلو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه لمعرفته بالحديث وفقهه.
وكان علماء مكة يقولون : محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان.[13]
وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت محمود بن النضر أبا سهل الشافعي يقول: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم.[14]
وقال محمد بن أبي حاتم أيضاً: سمعت إبراهيم بن خالد المروزي، يقول: رأيت أبا عمار الحسين بن حريث يثني على أبي عبد الله البخاري، ويقول: لا أعلم أني رأيت مثله، كأنه لم يخلق إلا للحديث.[15]
وقد قال له الإمام مسلم عندما سأله عن حديث كفارة المجلس: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله.. وقال له: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك.[16]
وقال أبو عيسى الترمذي: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل.[17]
7. بعض مؤلفاته
الجامع الصحيح، الأدب المفرد، التاريخ الكبير، التاريخ الأوسط، التاريخ الصغير، خلق أفعال العباد، الرد على الجهمية، المسند الكبير، الأشربة، الهبة، أسامي الصحابة الوحدان، العلل، الكني، الفوائد، قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، رفع اليدين في الصلاة، القراءة خلف الإمام، بر الوالدين، الضعفاء. وغيرها كثير.[18]
8. وفاته
لما منع البخاري من العلم خرج إلى " خرتنك " وهي قرية على فرسخين من سمرقند، كان له بها أقرباء فبقي فيها أياماً قليلة، ثم توفي وكان ذلك ليلة السبت ليلة عيد الفطر عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ستة وخمسين ومائتين، وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً[19] وكانت حياته كلها حافلة بالعلم معمورة بالعبادة، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء. 
ج. منهج الامام البخاري فى صحيحه
1. اسم الكتاب
حسب ما رجحه الحافظ ابن حجر في هدي الساري: "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه".
ويقال له الجامع الصحيح، ويقال اختصاراً: صحيح البخاري وهو المشهور بين الناس. 
2. الباعث على تأليف الجامع الصحيح
ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه فتح الباري أسبابا ثلاثة دعت الإمام البخاري رحمه إلى تأليف كتابه الجامع الصحيح[20] :
أحدها: أنه وجد الكتب التي ألفت قبله بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين, قال فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب في صحته أمين.
الثاني: قال وقوّى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية وساق بسنده إليه أنه قال: "كنا عند إسحاق بن راهوية فقال: "لو جمعتم كتاباً مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم", قال: "فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الصحيح".
الثالث: قال: وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال سمعت البخاري يقول: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب بها عنه, فسألت بعض المعبرين فقال لي: "أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح".
3. قيمة الكتاب العلمية وثناء العلماء عليه
    قال النووي في شرح صحيح مسلم: اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث.[21]
قال الذهبي في تاريخ الإسلام: وأما "جامع البخاري الصحيح" فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى[22].
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: "وأجمع العلماء على قبوله - يعني صحيح البخاري - وصحة ما فيه وكذلك سائر أهل الإسلام".[23]
وقال أبو عمرو ابن الصلاح في علوم الحديث بعد ذكره أن أول من صنف في الصحيح البخاري ثم مسلم: "وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز" ثم قال: "ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين وأكثرهما فوائد".[24]
4. أدلة تفضيله على صحيح مسلم
قال الحافظ ابن حجر في النـكت: وقال أبو عبد الرحمن النسائي:" ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري" قال ابن حجر: ونقل كلام الأئمة في تفضيل كتاب البخاري يكثر، ويكفي من ذلك اتفاقهم على أنه كان أعلم بالفن من مسلم، وأن مسلماً كان يتعلم منه ويشهد له بالتقدم والتفرد بمعرفة ذلك في عصره. فهذا من حيث الجملة وأما من حيث التفصيل فيترجح كتاب البخاري على كتاب مسلم، فإن الإسناد الصحيح مداره على اتصاله، وعدالة الرواة، كما بيناه غير مرة. وكتاب البخاري أعدل رواة وأشدُّ اتصالاً من كتاب مسلم، والدليل على ذلك من أوجه:
أحدها: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم: أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلاً، المتكلم فيهم بالضعف منهم: نحو من ثمانين رجلاً، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري: ستمائة وعشرون رجلاً، المتكلم فيهم بالضعف منهم: مائة وستون رجلاً، على الضعف من كتاب البخاري، ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه، ولو كان ذلك غير سديد.
 الوجه الثاني: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكن يكثر من تخريج أحاديثهم، وليس لواحد منهم نسخة كثيرة أخرجها كلها أو أكثرها إلا نسخة عكرمة عن ابن عباس. بخلاف مسلم فإنه أخرج أكثر تلك النسخ التي رواها عمن تكلم فيه؛ كأبي الزبير عن جابر، وسهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وحماد بن سلمة عن ثابت...ونحوهم.
 الوجه الثالث: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه الذين لقيَهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم، فميَّز جيدها من رديِّها بخلاف مسلم، فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه، من المتقدمين، وقد أخرج أكثر نسخهم كما قدمنا ذكره، ولا شك أن المرء أشدُّ معرفةً بحديث شيوخه وبصحيح حديثهم من ضعيفه ممن تقدم عن عصرهم.
 الوجه الرابع: أن أكثر هؤلاء الرجال الذين تكلم فيهم من المتقدين يخرج البخاري أحاديثهم غالباً في الاستشهاد والمتابعات والتعليقات بخلاف مسلم، فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول والاحتجاج ولا يعرج البخاري في الغالب على من أخرج لهم مسلم في المتابعات؛ فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري، فهذا وجه من وجوه الترجيح ظاهر.
والأوجه الأربعة المتقدمة كلها تتعلق بعدالة الرواة، وبقي ما يتعلق بالاتصال.
وهو الوجه الخامس: وهو أن مسلماً كان مذهبه، بل نقل الإجماع في أول صحيحه: أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعِن والمعنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما. والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة. وقد أظهر البخاري هذا المذهب في التأريخ وجرى عليه في الصحيح، وهو مما يرجَّح به كتابه، لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال، فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال، وبهذا يتبين أن شرطه في كتابه أقوى اتصالاً وأشدُّ تحرياً، والله أعلم. [25]
وزاد في مقدمة فتح الباري وجهاً سادساً فقال: وأما ما يتعلق بعدم العلة؛ وهو الوجه السادس: فإن الأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي حديث وعشرة أحاديث.. اختص البخاري منها بأقل من ثمانين وباقي ذلك يختص بمسلم، ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر، والله أعلم. [26]
5. منهج الإمام البخاري في تبويبه لكتابه الصحيح
فهذه فائدة في ذكر منهج الإمام البخاري – رحمه الله تعالى - في تبويبه لكتابه الصحيح، مما أورده الإمام العلامة شمس الدين الذهبي – رحمه الله تعالى – في كتابه السير نقلا عن الإمام ابن حزم الأندلسي – رحمه الله تعالى – لما تكلم على تراجم أبواب الصحيح، فقال: منها: ما هو مقصور على آية، إذ لا يصح في الباب شيء غيرها.
ومنها: ما ينبه بتبويبه على أن في الباب حديثًا يجب الوقوف عليه، لكنه ليس من شرط ما ألف عليه كتابه.
ومنها: ما يبوب عليه، ويذكر نبذة من حديث قد سطره في موضع آخر.
ومنها: أبواب تقع بلفظ حديث ليس من شرطه، ويذكر في الباب ما هو معناه.[27]
قال الحافظ ابن حجر : ظهر لي أن البخاري مع ذلك فيما يورده من تراجم الأبواب على اطوار :
1. ان وجد حديثا يناسب ذلك الباب ولو على وجه خفي ووافق شرطه أورده فيه بالصيغة التي جعلها مصطلحة لموضوع كتابه وهي حدثنا وما قام مقام ذلك والعنعنة بشرطها عنده.
2. أن لم يجد فيه الا حديثا لا يوافق شرطه مع صلاحيته للحجة كتبه في الباب مغايرا للصيغة التي يسوق بها ما هو من شرطه ومن ثمة أورد التعاليق.
3. وأن لم يجد فيه حديثا صحيحا لا على شرطه ولا على شرط غيره وكان مما يستأنس به وقدمه قوم على القياس استعمل لفظ ذلك الحديث أو معناه ترجمة باب ثم أورد في ذلك اما اية من كتاب الله تشهد له أو حديثا يؤيد عموم ما دل عليه ذلك الخبر.[28]
6. منهج الإمام البخاري في اختيار الحديث
لم يصرح الامام البخاري بشرطه فى روايته للحديث فى جامعه الصحيح ولكن العلماء الباحثين فى صحيحه استفادوا ذلك من طريقتين :
الاول : تسميته للكتاب حيث سماه :"الجامع الصحيح المسند المختصر من امور رسول الله وسننه وايامه".
فمن قوله "الجامع" علم انه لم يخصه بصنف دون صنف ولهذا اورد فيه الاحكام والفضائل والاخبار عن الامور الماضية والاتية, وغير ذلك.
ومن قوله "الصحيح" علم انه ليس فيه شيء ضعيف عنده. وقال الامام : "ما ادخلت فى الجامع الا ما صح".
ومن قوله "المسند" علم ان مقصوده الاصلي تخريج الاحاديث التي اتصل اسنادها الى النبي صلى الله عليه وسلم. واما ما وقع من غير ذلك فانما وقع عرضا وتبعا لا اصلا مقصودا.
ومن قوله "المختصر" علم انه لم يدخل كل الاحاديث الصحيحة فى كتابه. وقال الامام : ... وتركت من الصحيح حتى لا يطول.[29]
الثاني : الاستقراء
فبملاحظة تصرفه فى كتابه وجد انه لا يخرج الا الحديث الذي اتصل اسناده وكان رواته عدلا ضابطا وخلا ان يكون معللا او شاذا.
قال ابن طاهر في شروط الأئمة: اعلم أن البخاري ومسلماً ومن ذكرنا بعدهم، لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطتُ أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم، فيعلم بذلك شرطُ كل رجلٍ منهم. واعلم أن شرط البخاري ومسلم أن يُخرجا الحديث المُتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع، فإن كان للصحابي راويان فصاعداً فحسن، وإن يكن له إلا راوٍ واحد إذا صح الطريقُ إلى الراوي أخرجاه، إلا أن مسلماً أخرج أحاديث أقوامٍ ترك البخاري حديثهم، لشبهةٍ وقعت في نفسه، أخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة، مثل حماد بن سلمة، وسهيل بن أبي صالح، وداود بن أبي هند، وأبي الزبير، والعلاء بن عبد الرحمن، وغيرهم.
د‌.  الخاتمة
ان الإمام البخاري من المحدثين النقاد الذين تركوا لنا رصيداً علمياً كبيراً ومتنوعاً فينبغي أن يهتم بهذا الإنتاج ، ويدرس دراسة علمية متخصصة ، ولا يكفي لبحث واحد - مهما بذل فيه صاحب من جهد - أن يبرد جميع الجوانب النقدية عند هذا الإمام .


[1] الذهبي, سير اعلام النبلاء, مؤسسة الرسالة ج. 12 ص : 383
[2] المصدر السابق, ص : 383
[3] المصدر السابق, ص : 383
[4] المصدر السابق, ج. 12  ص : 385 – 388, ابن أبي يعلى, طبقات الحنابلة دار المعرفة , بيروت, ج. 1 ص : 269
[5] العسقلاني, مقدمة فتح الباري, دار المعرفة, بيروت, 1379 ص : 479
[6] المزي, تهذيب الكمال, مؤسسة الرسالة, بيروت, 1970 م ج. 24 ص :  431 - 433
[7] المزي, المصدر السابق , ص : 434
[8] الذهبي, المتاب السابق, ص : 439
[9] المصدر السابق,, ص : 433
[10] المصدر السابق,, ص : 432
[11] المصدر السابق, ص : 432
[12] المصدر السابق, العسقلاني, الكتاب السابق, ص : 483
[13] المصدر السابق, ص : 425
[14] المصدر السابق, ص : 422, العسقلاني, الكتاب السايق, ص : 485
[15] المصدر السابق
[16] العسقلاني, تغليق التعليق على صحيح البخاري, دار عمان, بيروت, 1405 ج.5 ص : 429, العسقلاني,مقدمة فتح الباري,  ص : 488
[17] الذهبي, المتاب السابق, ص : 432
[18] العسقلاني, مقدمة فتح الباري, ص : 491-492
[19] الذهبي, الكتاب السابق, ص : 468
[20] العسقلاني, مقدمة فتح الباري, ص : 6-7
[21] النواوي, شرح صحيح مسلم, دار احياء التراث العربي, بيروت,  1392 ص : 14
[22] الذهبي, تاريخ الاسلام ووفيات مشاهير الاعلام, دار الكتاب العربي, بيروت, 1987 م , ج. 19 ص : 242
[23] ابن كثير, البداية والنهاية, مكتبة المعارف, بيروت, ج. 11 ص : 24
[24] ابن الصلاح, معرفة انواع علوم الحديث, دار الفكر, بيروت, 1986 م. ص : 18
[25] العسقلاني, النكت على كتاب ابن الصلاح, ج. 1 ص : 289
[26] العسقلاني, مقددمة فتح الباري, ص : 12
[27] الذهبي,  سير اعلام النبلاء, ج. 18 ص : 209
[28] العسقلاني, مقدمة فتح الباري, ص : 8-9
[29] العسقلاني, مقدمة فتح الباري, ص : 7

Tidak ada komentar:

Posting Komentar