Selasa, 14 Februari 2012

الإمام النسائى ومنهجه في سننه


جمع وترتيب: محمد أيوب مصطفى


الإمام النسائى وسننه (215 - 303 هـ)
 ترجمة الإمام النسائى :
هو : أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي الخرساني.[1]
و " نسا ":التي يُنسب إليها مدينة بخرسان[2]، خرسان مقاطعة كبيرة يقع أغلبها اليوم في جمهورية إيران، وجزء منها أيضًا في أفغانستان، و " نسا " مدينة في هذه المقاطعة، وهي غير ممدودة، نسا، لا تقل: نساء، وبفتح النون لا تقل: نساء .[3]
النسبة إليها على القياس: نسوي ، الأصل أن ينسب إليها على قياس اللغة العربية بـ " نسوي " ،  والإمام النسائي يقال له النسوي أيضًا ، ولكن نسبته النسائي هذه على غير قياس ، سُمعت من الأئمة والعرب فتلقيت عنه، فيصح أن تقول عن  الإمام النسائي: النسائي، ويصح أن تقول أيضًا: النسوي، وقد اشتهر بكلا النسبتين .[4]


كنية هذا الإمام - كما هو مشهور- : أبو عبد الرحمن . [5]

وُلد هذا الإمام  :
في بلده نسا سنة خمس عشرة ومائتين من الهجرة، حيث حدد هو نفسه هذه السنة، لكنه حددها بالتقريب؛ قال: يُشبه أن يكون مولدي سنة خمس عشرة ومائتين من الهجرة.[6]
ويشتهر هذا الإمام أيضًا بالنسبة إلى أحد وظائفه الدينية وهي القضاء، فيقال له القاضي الإمام أبو عبد الرحمن القاضي؛ حيث تولى قضاء في أكثر من مدينة إسلامية منها مصر ، ومنها أيضًا حمص في بلاد الشام.[7]

الرحلة فى طلب العلم :
أن الرحلة في طلب علم الحديث سنة من سنن المحدثين بل هي سنة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام؛ حيث أقرها ورضي عنها كما تعرفون في حديث ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر الذي وفد على النبي عليه الصلاة والسلام من بني سعد إلى المدينة ليسأله عن شرائع الدين ، الحديث الذي في الصحيحين فاحتج أهل الحديث بهذا الحديث - حديث ضمام بن ثعلبة - على مشروعية واستحباب الرحلة في طلب العلم، وهذه السنة التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام أحياها وأكثر من عمل بها هم المحدثون عليهم رحمة الله، وكانت الرحلة في طلب العلم سمة المحدثين في العصور الغابرة، فلا تجد عالمًا من علماء الإسلام إلا وقد جاب بلدان الإسلام شرقها وغربها.[8]
وطلب الإمام العلم في صغره فارتحل إلى قتيبة في سنة 230هـ وهو ابن خمس عشرة سنة فأقام عنده بمدينة بغلان سنة فأكثر عنه، ومن شيوخه إسحاق بن راهويه وهشام بن عمار ويروي عن رفقائه. [9]
وسمع أيضا إسحاق بن راهويه وهشام بن عمار وعيسى بن زغبة ومحمد بن النضر المروزي وأبا كريب وسويد بن نصر الشاه وامثالهم بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام والجزيرة وبرع في هذا الشأن وتفرد بالمعرفة والإتقان وعلو الإسناد
واستوطن مصر حدث عنه أبو بشر الدولابي وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري وحمزة الكناني والحسن بن الخضر السيوطي وأبو بكر بن السني وأبو القاسم الطبراني ومحمد بن معاوية بن الأحمر الأندلسي والحسن بن رشيق ومحمد بن عبد الله بن حيويه.[10]
قدم حلب، وسمع بها أبا العباس الفضل بن العباس بن ابراهيم الحلبي، وسمع بالمصيصة قاضيها أحمد بن عبد الله بن علي بن أبي المضاء المصيصي.[11]
جال في طلب العلم في مرو[12]، وخراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن.[13]

من مشاهير شيوخه: [14]
قتيبة بن سعيد المُتوفى سنة أربعين ومائتين، وإسحاق بن راهويه المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وهشام بن عمار، وعيسى بن حماد، وحسين بن منصور السلمي النيسابوري، وعمرو بن زرارة النيسابوري، ومحمد بن نضر المروزي، وسويد بن نصر المروزي.
هؤلاء هم أشهر شيوخ هذا الإمام أو أعلاهم سندًا.

أما الذين تَخَرَّج بهم في علم الحديث :
في النقد في الجرح والتعديل في معرفة علل الأحاديث فهم كبار الأئمة في ذلك العصر المشهورين بهذا العلم ومنهم:
الإمام البخاري : الإمام النسائي ممن أخذ عن الإمام البخاري على الصحيح ، وإلا فقد وقع خلاف هل النسائي ممن روى عن البخاري أو لا، لكن الراجح أنه روى عنه لأنه صرح باسمه في غير موطن من كتبه ، فمن شيوخ النسائي في النقد والجرح والتعديل ومعرفة العلل الإمام البخاري ، ويكفي النسائي فخرًا أنه تلقى هذه العلوم عن الإمام البخاري .
وأيضًا من شيوخه قرين البخاري " محمد بن يحيي الذهلي "  فقد أخذ عنه أيضًا علم النقد والجرح والتعديل، والزهني كان من كبار أئمة النقد .
وأيضًا من شيوخه :  " أبو حاتم الرازي "  ، و " أبو زرعة الرازي " وكلاهما معروفان مشهوران  بالجرح والتعديل، وبعلم علل الحديث .
وأيضًا : " ابن رَاهُوْيَه ".
و" الفلاس "  وهو من كبار أئمة البصرة وكان يُقرن بـعلي بن المديني وهو قرينه في السن والعلم ، وأيضًا أخذ عن " أبي داود السجستاني "  صاحب السنن .

أما الذين تَخَرَّج بهم في الرواية - يعني أكثر أخذ الحديث عنهم جدًا -  فهم :
قتيبة بن سعيد : فقد روى عنه في سننه ما يزيد على سبع وسبعين وستمائة حديث.
ابن رَاهُوْيَه :  وقد روى عنه في سننه تسع وأربعين وثلاثمائة حديث.
الفلاس : وقد روى عنه في سننه اثنتين وتسعين ومائتي رواية .
سويد بن نصر : وقد روى عنه في سننه تسعًا ومائتي رواية .
محمد بن المثنى : وقد روى عنه ثلاثًا وتسعين ومائة رواية.
بندار محمد بن بشار : وقد روى عنه ستًا وثمانين ومائة رواية.
محمد بن عبد الأعلى الصنعاني : وقد روى عنه إحدى وستين ومائة رواية.
هؤلاء هم الشيوخ الذين أكثر عنهم في سننه، وليس هناك شيخ للنسائي روى عنه أكثر من هؤلاء، هم أكثر من روى عنهم في كتابه السنن.

ولم يقتصر أخذ هذا الإمام على علم الحديث، فقد أخذ أيضًا علم القراءات .
ومن شيوخه في القراءات:
أحمد بن نصر النيسابور ، وصالح بن زياد السوسي أبو شعيب،، وهذه أيضًا شهادة لهذا الإمام بأنه من كبار القراء في عصره ، فقد ترجم له ابن الجزري في "غاية النهاية في طبقات القراء" واعتبره من كبار أئمة القراء.[15]
وأيضًا من علوم هذا الإمام التي تحلى بها علم الفقه، ومعرفة الأحكام والقدرة على الاستنباط والاجتهاد، وقد أخذ عن أئمة الفقه في ذلك العصر فأخذ من أصحاب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى من أصحاب الشافعي ومالك، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وهما من تلامذة الشافعي المشهورين، وأخذ أيضًا من أصحاب الإمام أحمد كعبد الله بن الإمام أحمد المشهور الفقيه المحدث.
وأخذ أيضًا عن الميموني أحد كبار تلامذة الإمام أحمد، وفقهاء أصحابه .
وأخذ أيضًا عن أصحاب الإمام مالك إمام دار الهجرة من أمثال محمد ويحيي ابني عبد الله بن عبد الحكم المصريين.
وأخذ أيضًا عن إسحاق بن راهويه السابق ذكره وهو من الأئمة المجتهدين الذين لا يتبعون إمامًا معينًا لاكتمال أدوات الاجتهاد فيهم.[16]
وجمع شيوخه مع شيوخ الأئمة الستة ابن عساكر في كتابه "المعجم المشتمل على أسماء شيوخ الأئمة النبل" جمع فيه شيوخ النسائي مع شيوخ غيره من أئمة الكتب الستة.

من مشاهير تلامذته :
 الأئمة الذين تتلمذوا عليه وأصبحوا بعد ذلك أئمة مشهورين :
 " ابن السني " صاحب عمل اليوم والليلة، وصاحب كتب كثيرة جدًا، ابن السني من الحفاظ الكبار ومن تلامذة النسائي :
وأبو جعفر بن النحاس صاحب كتاب " الناسخ والمنسوخ " وغيرها من الكتب .
وأبو جعفر الطحاوي الإمام الحاكم المحدث المشهور صاحب شرح معاني الآثار وبيان مشكل أحاديث رسول الله r وغيرها من الكتب.
وابن الأعرابي صاحب " المعجم "  و " صفة الزاهدين " وغيرها من الكتب.
وأبو علي النيسابوري وهو من كبار حفاظ نيسابور.
وحمزة الكناني، و الطبراني الإمام المؤلف صاحب المعاجم الثلاثة.
وابن عدي صاحب " الكامل في الضعفاء " - في ضعفاء الرجال  - .
والدولابي صاحب الكنى والأسماء.
والعقيلي صاحب كتاب " الضعفاء الكبير" .
وأبو عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم .
هؤلاء بعض تلامذته المشهورين الأئمة.
وأما السخاوي فَعَد منهم خمسًا وستين تلميذًا .[17]

أما رواة السنن عنه : فهم كثيرون أيضًا يزيدون على العشرين راوي، إلا أن أشهرهم أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني وأبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي التمام.
وأبو بكر أحمد بن محمد بن المهندس.
وأبو علي الحسن بن الخضر السيوطي.
وأبو محمد الحسن بن رشيق العسكري.
وأبو قاسم حمزة بن محمد الكناني.
وابن النسائي أبو القاسم عبد الكريم .
وعلي بن أبي جعفر الطحاوي ابن الإمام أبو جعفر الطحاوي .
ومحمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري .
ومحمد بن القاسم بن محمد بن سيارة القرطبي الأندلسي .
وأبو بكر محمد بن معاوية المشهور بابن الأحمر.
هؤلاء هم أشهر رواة السنن عنه، وآخر من روى عنه سماعًا الأبيض الفهري أحد رواة الحديث تُوفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة من الهجرة .
لما استقر هذا الإمام بنيسابور وكثر الآخذون عنه ونشر مؤلفاته ومصنفاته وعلومه في مصر لما استقر في مصر، وانتشر عنه العلم فيها وتتلمذ عليه الأئمة الكثيرون الذين سبق ذكر بعضهم.
اشتهر علم هذا الإمام فأثنى عليه كبار الأئمة في عصره وبعد عصره الثناء البالغ، حتى وصفه كبار الفقهاء والمحدثين في عصره بأنه إمام من أئمة المسلمين كمنصور بن إسماعيل الفقيه ، وأبو جعفر الطحاوي وأبي علي النيسابوري ، وقاسم بن زكريا المطرف فقد وصفوه جميعًا بأنه إمام من أئمة المسلمين .

ثناء العلماء عليه
كان كثير التهجد والعبادة يصوم يوما ويفطر يوما قال الدارقطني أبو عبد الرحمن مقدم على من يذكر بهذا العلم من أهل عصره قال القاضي تاج الدين السبكي سألت شيخنا الذهبي أيهما أحفظ مسلم ابن الحجاج أو النسائي فقال النسائي ثم ذكرت ذلك لوالدي فوافق عليه[18]
قال الحافظ أبو علي النيسابوري:الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال أبو الحسن الدار قطني أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.[19]

مؤلفات هذا الإمام كثيرة جدًا لكن الذي عرفناه منها ما يزيد على الثلاثين كتاب أذكرها مبينًا الذي طبع منها من الذي بقي مخطوطًا ونعرف مكان مخطوطته، فمن أشهر كتبه:
  • السنن الكبرى وقد طُبع.
  • المجتبى الذي هو السنن الصغرى وقد طبع أيضًا، وكتاب الضعفاء والمتروكين، وقد طبع.
  • كتاب " الكنى " وهو كتاب لا نعرف عن وجوده شيئًا.
  • كتاب " أسماء الرواة والتمييز بينهم " المشهور بكتاب " التمييز " وهو كتاب شبه مفقود ينقل عنه الحافظ ابن حجر كثيرًا في "التهذيب"  .
  • معجم شيوخه . وسبق ذكره.
  • كتاب " الطبقات " .وهو مطبوع.
  • كتاب " معرفة الإخوة والأخوات "  وهو شبه مفقود.
  • مسند حديث مالك بن أنس وهو شبه مفقود وهو أحد الكتب التي اعتمدها الإمام المزي في استخراج رجال  النسائي في كتابه " تهذيب الكمال " .
  • مسند أحاديث الزهري بعلله والكلام عليه . وهو شبه مفقود .
  •  مسند حديث شعبة . شبه مفقود .
  •  مسند حديث سفيان الثوري . شبه مفقود.
  • كتاب " الإغراب"  ما أغرب فيه شعبة على الثوري ، وما أغرب فيه الثوري على شعبة، ويوجد من هذا الكتاب جزء في مخطوطة في (أسكوريال) في أسبانيا الأندلس .
  • مسند حديث ابن جريج . شبه مفقود .
  •  مسند حديث القطان . شبه مفقود .
  •  مسند حديث الفضيل بن عياض ، وداود الطائي ، ومفضل بن مهلهل . وهي كلها شبه مفقودة .
  •  الجرح والتعديل . شبه مفقود .
  •  مسند علي بن أبي طالب . شبه مفقود ،  وهو أحد مصادر الإمام المزي في كتابه  " تهذيب الكمال " .
  • تفسير القرآن . مطبوع .
  •  الجمعة  . مطبوع .
  •  خصائص علي . كتاب مطبوع .
  •  مناسك الحج على مذهب الشافعي . شبه مفقود .
  •  تسمية فقهاء الأمصار . مطبوع .
  •  تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد . مطبوع .
  • جزء من حديثه . موجود بالظاهرية بدمشق .
  • مجلسان من إملائه ، برواية الأبيض الفهري . مطبوع .
  •  فضائل القرآن . مطبوع .
  •  مسند منصور بن زادان . شبه مفقود .
  •  عمل اليوم والليلة . مطبوع .
  •  شيوخ الزهري . شبه مفقود .
  •  ذكر من حدَّث عنه سعيد بن أبي عروبة ولم يسمع . منه مطبوع .
  • كتاب المدلسين . موجود ضمن كتاب سؤالات السلمي للدارقطني ، وضمن كتاب ميزان الاعتدال ذكراه كاملًا .
  • أحسن الأسانيد التي تروى عن رسول الله r  . مطبوع .
  •  تسمية الضعفاء والمتروكين والثقات ممن حمل عنهم العلم من أصحاب أبي حنيفة  . وهو مطبوع.[20]

وفاته :
خرج من مصر سنة ثلاثة وثلاثمائة للحج، فمر بدمشق فسئل أن يحدث بفضائل معاوية بن أبي سفيان ، وتعرفون أن دمشق كان يكثر بها في ذلك العصر الناصبة وهم الذين ناصبوا علي بن أبي طالب وآله العداء، كانوا يبغضون علي بن أبي طالب وأهل بيته، يعني عكس الشيعة، الجهة المعارضة للشيعة، وأهل السنة والجماعة بين الطرفين الوسط، لا يغلون في علي بن أبي طلب ولا يبغضونه، بل هم الوسط؛ يحبونه ويعرفون فضله وفضل أهل بيته ولكن لا يقدمونه على أبي بكر ولا يصفونه بفضائل ليست ثابتة له في الكتاب والسنة أو في السنة .
 فسئل أن يحدث بفضائل معاوية بن أبي سفيان t فأمسك عن ذلك ،لم يحدث ؛ لأنه لم يكن يرى أن هناك حديثًا صحيحًا في فضل معاوية بن أبي سفيان ، ما كان يرى أن هناك حديث صحيح يثبت في فضل معاوية بن أبي سفيان ، وقد وافقه على ذلك جماعة من العلماء ، ولعله أخذ هذا الأمر من شيخه إسحاق بن راهويه ، فإن له عبارة مشهورة ، فإنه كان يقول : لا يصح في فضل معاوية بن أبي سفيان حديث، إسحاق بن راهويه .
فهو مسبوق إلى هذا الحكم على كل حال من أئمة سواه ، فقام عليه من بالمسجد وضربوه واجتمعوا على ضربه حتى خرج من المسجد عليلًا فتوفي مقتولًا عليه رحمة الله من أثر هذا الضرب ، قيل بمكة[21] وأنه دُفن بين الصفا والمروة ، والذي رجحه الذهبي أنه تُوفي بفلسطين بالرملة في شهر صفر ، وقيل في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة من الهجرة.[22]
وهذه القصة هي التي احتج بها من احتج على أن الإمام النسائي فيه تشيع، ولكن هذا القول ليس بصحيح فقد سئل الإمام النسائي لمَّا صنف كتابًا خاصًا في فضائل علي بن أبي طالب سماه خصائص علي بن أبي طالب فسئل لِمَ صنف هذا الكتاب ؟
قال : إنه عندما صنفه كان بدمشق ، وقال : إن أغلب أهل دمشق كانوا من الناصبة ، فأراد أن يصنف هذا الكتاب حتى يردهم إلى الحق ، يبين لهم فضائل علي بن أبي طالب حتى الثابتة له حتى يردهم إلى الحق ، فتصنيفه لخصائص علي بن أبي طالب لا يدل على تشيعه بل يدل على     أنه أراد أن يرد هؤلاء القوم إلى الحق ، وقد سئل  النسائي عن معاوية بن أبي سفيان خاصة ، فقال: إنما الإسلام كدار لها باب فباب الإسلام الصحابة ، يعني من أراد أن يقتحم حرمة الإسلام فليس له طريق إلى اقتحام حرمة الإسلام إلا باب الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، من تكلم عن الصحابة فإنه في الحقيقة يريد هدم هذا الدين ؛ لأن الصحابة هم الذين نقلوا لنا هذا الدين، فمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، ثم يقول: معاوية فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة .[23]
هذا كلام يستحيل أن يخرج من رجل فيه تشيع ، بل هو كلام أهل السنة والجماعة ويدل على أن الإمام النسائي كان يُجِلُّ معاوية بن أبي سفيان t ويترضى عنه ، ويعتبره في جملة الصحابة وقولنا الآنفة أو قول  النسائي : إنه لا يصح في فضل معاوية حديث لا يعني أنه ليس لمعاوية فضل، معاوية بن أبي سفيان يكفيه شرفًا أنه من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، يكفيه شرفًا أنه من كتاب الوحي بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، هذه كلها أمور تدل على كمال شرفه وفضله، وأنه بلغ الرتبة العليا من الشرف والكمال واستحق اعتقاد العدالة واستحق الترضي عنه مثل بقية الصحابة رضوان الله عليهم، أما أن هناك حديث خاص في فضل معاوية ، فهذا مما وقع فيه خلاف كما قلنا آنفًا، ويرجح  النسائي أنه ليس هناك حديث يدل على فضله t .

أهم معْلِمٍ من معالم منهج الإمام النسائى فى تصنيفه للسنن :
قال الحافظ ابن رجب عن السنن النسائى :
(تجد النسائى اذا استوعب طرق الحديث، بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له، وهذا تجده فى السنن الكبرى أكثر من الصغرى).[24]
وهذه الملاحظة من الحافظ ابن رجب هى فى غاية الأهمية، لأن منهج الإمام النسائى فى الترتيب هو بعكس منهج مسلم، ولذلك قال العلامة المعلمى فى "الأنوار الكاشفة" : (عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها..يقدم الأصح فالأصح).[25]
لما ألف الإمام النسائى كتابه ((السنن الكبرى)) أهداها إلى أمير الرملة فقال له : أكل ما فيها صحيح؟ فقال له : فيها الصحيح والحسن، وما يقاربهما فقال له : ميز لى الصحيح من غيره، فصنف له كتاب ((السنن الصغرى)) وسماه المجتبى إلى السنن.
وكتاب السنن مرتب على الأبواب الفقهية كبقية السنن الأخرى، وقد دقق النسائى غاية التدقيق فى تأليف سننه الصغرى، فمن ثم قال العلماء :
إن درجة السنن الصغرى بعد الصحيحين، لأنها أقل السنن بعدهما ضعيفاً ولذلك نجد أن الأحاديث التى انتقدها أبو الفرج بن الجوزى على السنن الصغرى، وحكم عليها بالوضع قليلة جداًً، وهى عشرة أحاديث. وليس الحكم عليها بالوضع بمسلم له، بل نازعه فيها السيوطى وخالفه فى كثير منها.
وفى السنن النسائى الصغرى. الصحيح والحسن والضعيف ولكنه قليل.
لقد تصدى العلماء لهذا الكتاب بالشرح والإختصار، وأهم شروح هذا الكتاب شرح جلال الدين السيوطى المتوفى سنة 911 هـ فى كتابه مختصر سماه ((زهر الربى على المجتبى))، وعلق عليه أبو الحسن محمد صادق بن عبد الهادى السندى.[26]

أهم ثلاثة فروق بين الكتابين :
الفرق الأول :
أن السنن الكبرى أكثر وأكبر من السنن الصغرى، ويظهر ذلك فى أمور متعددة، منها :
(أ‌)     أن عدد الكتاب فى الصغرى كما فى المطبوعة (51) كتاباً، بينما عدد الكتاب فى الكبرى يزيد فى المطبوعة (22) كتابا عن الصغرى.
(ب‌)  وعدد الأحاديث فى الصغرى يبلغ فى المطبوعة (5761) حديثا، بينما بلغ فى الكبرى (11770) حديثا على خلاف فى عددها فى الكبرى.
الفرق الثانى :
أن السنن الكبرى ليس فى نقاوة السنن الصغرى من جهة الأحاديث صحة وضعفاً، وقد ذكر الإمام النسائى نفسه هذا الفرق عندما قال : (( كتاب السنن - يعنى الكبرى- كله صحيح وبعضه معلول)، هذا إلا أنه يبين علته.
ويستفاد من كلامه : أن السنن الصغرى أصح حديثا وأقل عللا من الكبرى، هذا كلام النسائى نفسه فى بيان الفرق بين الكتابين، لكن ينبهه إلى أن عبارة النسائى السابقة لا تعنى أن كل ما فى السنن الصغرى صحيح، كما أنه لا يعنى أن كل ما حذف من الكبرى مما لم يدخله فى الصغرى أن سبب الحذف وجود علة.
الفرق الثالث :
أن كتاب السنن الكبرى لم يقتصر على أحاديث الأحكام والتبويب لها، ففيه كتاب التفسير، والسير، وفضائل الصحابة، وفضائل القرآن، وغير ذلك، مما يدخل تحت ما يسمى بالجوامع، جوامع كتاب العلم، أما السنن الصغرى: فهى مختصة بأحاديث الأحكام، ومقتصرة عليها.

منهج الإمام النسائى فى كتابه السنن الكبرى :
يعتبر كتاب السنن الكبرى للإمام النسائى منهجاً شاملا للأحاديث التى جمعها، لكونها تحتوى على أسانيد متعددة للحديث الواحد، وهو بحق كتاب من كتب الجوامع التى اشتملت على ثمانية أنواع للحديث النبوى، وقد كان منهح الإمام النسائى فى كتابه على النحو التالى :
1.     رتب الكتب على الكتب والأبواب الفقهية وغيرها.
2.     حرص النسائى –رحمه الله تعالى- على إيراد الحديث كلها فى المسألة, وأطراف أسانيدها، مع التنبيه على فقه الحديث، وبيان مواضع الإختلاف وعللها.
3.     أنه يذكر المتابعات تفصيلاً كطرق مستقلة بأسانيدها، ومتونها، فلا يذكرها إجمالاً كما يفعل الإمام البخارى مثلاً، وهذه المتابعات التى يذكرها تفصيلاً تدل على كثرة الطرق للحديث الواحد.
4.     ضمن كتابه بعض المسائل الفقهية، والأصولية مثل التنبيه على النسخ، ولذلك نجده يورد أحياناً باباً فقهياً معينا، ثم يتبعه بباب يقول فيه : "نسخ ذلك".
5.     يزيد فى أصل تراجم الأبواب فى الكبرى عن الصغرى.[27]




[1] تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبى، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان، جـ 2، ص 194؛
 تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن محمد ابن حجر العسقلاني، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، جـ 3، صـ 28؛
 تهذيب الكمال، يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي، مؤسسة الرسالة – بيروت، جـ1، صـ 328؛
 سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذَهَبي، مؤسسة الرسالة، جـ 27، صـ 132
[2] مغانى الأخيار فى شرح أسامى رجال معانى الآثار، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى، جـ 1، صـ 21
[3] دول الإسلام جـ 1، صـ 184، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي شمس الدين أبو عبد الله، دار صادر، الطبعة الأولى 1994 م، جـ2، صـ 233
[4] دراسة منهجية لسنن النسائى وابن ماجة، د. الشريف حاتم بن عارف العونى، صـ 2
[5] تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، جـ 23، صـ 105؛
 تذكرة الحفاظ، جـ 2، صـ 194
[6] دراسة منهجية لسنن النسائى وابن ماجة، صـ 2
[7] دراسة منهجية لسنن النسائى وابن ماجة، صـ 2 ؛  تذكرة الحفاظ، جـ 2، صـ 194
[8] انظر المصدر السابق، صـ 3
[9]  مشاهير أعلام المسلمين، علي بن نايف الشحود، جـ 1، صـ 158؛
طبقات الشافعية الكبرى، الإمام العلامة / تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع،ط. الثانية 1413هـ، جـ 3، صـ 14
[10]  تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبى، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان، جـ 2، ص 698
[11] بغية الطلب في تاريخ حلب، ابن العديم، جـ 1، صـ 244
[12] تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، جـ 23، صـ 106
[13] سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذَهَبي، مؤسسة الرسالة، جـ 27، صـ 134
[14] شيوخ النسائي، لأبي بكر محمد بن إسماعيل بن خلفون؛
طبقات الحفاظ، الحافظ السيوطي، جـ 1، صـ 128
[15] غاية النهاية في طبقات القراء، لإبن الجزرى، باب الألف، جـ 1، صـ 26
[16] دراسة منهجية لسنن النسائى وابن ماجة، صـ 6
[17] انظر المصدر السابق، صـ 10
[18] طبقات الشافعية، أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، عالم الكتب الطبعة : الأولى 1407هـ، جـ 1، صـ 88
[19] مشاهير أعلام المسلمين، علي بن نايف الشحود، جـ 1، صـ 158
[20] دراسة منهجية لسنن النسائى وابن ماجة ، صـ 12
[21]البداية والنهاية، عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، هجر للطباعة والنشر – الجيزة، الطبعة الأولى 1997م، جـ 14، صـ 792
[22]  تهذيب الكمال جـ 1، ص 340
[23] دراسة منهجية لسنن النسائى وابن ماجة ، صـ 14؛ تهذيب الكمال جـ 1، ص 388
[24] شرح علل الترمذى : (1/202)
[25] الأنوار الكاشفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، جـ 1، صـ 34
[26]   المنهل اللطيف فى أصول الحديث الشريف، محمد بن علوى الملكى الحسنى، صـ 303، الطبعة الرابعة، مطبعة سحر، جدة.
[27]  مناهج المحدثين، أعدها نخبة من أساتذة الحديث بجامعة الأزهر الشريف صـ 71

Tidak ada komentar:

Posting Komentar