Selasa, 14 Februari 2012

الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه



إعداد

محمد نور خازن

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيأت أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأش هد أن لاإله إلا الله وحد ه لاشريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على سيدنا محمد ابن عبد الله, وعلى اله وصحبه ومن تبع هداه, وبعد.
فإن السنة النبوية وهي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أوفعل أوتقرير, وهي الأصل الثاني من اصول الأحكام الشرعية بعد القرأن الكريم. والسنة عرفت في كنب الحديث. وأصح مصنف في الحديث: بل في العلم مطلقا: الصحيحان للإمامين القدوتين : أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, وأبي الحسين مسلم الحجاج القشيري رضي الله عنهما فلم يوجد لهما نظير في المْْؤلفات, فينبغي أن يعتني بشرحها وتشاع فوائدهما ويتطلف في استخراج دقائق العلوم من متونهما وأسانيدهما لما ذكرنا من الحجج الظاهرات , أنواع المتظاهرات. وفي هذه المقالة سيبين الإمام مسلم وصحيحه. وندعو الله ان نستفد العلوم النافعة منها.




الإمام مسلم
(204-261 هـ 820-875 م)
اسمه ونسبه و كنيته ولقبه
هو[1] مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري[2]  النيسابوري [3]   أبو الحسين, الإمام الكبير الحافظ المجود الحجة الصادقًَُّّ
مولده وسماعه
يقال ولد سنة أربع ومائتين وأول سماعه سنة ثماني عشرة ومائتين فأكثر عن يحيى بن يحيى التميمي والقعنبي وأحمد بن يونس اليربوعي وإسماعيل بن أبي أويس وسعيد بن منصو وعون بن سلام وأحمد بن حنبل وخلق كثير. روى عنه الترمذي حديثا واحدا وإبراهيم بن أبي طالب وابن خزيمة والسراج وابن صاعد وأبو عوانة وأبو حامد بن الشرقي وأبو حامد أحمد بن حمدان الأعمشي وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه ومكي بن عبدان وعبد الرحمن ابن أبي حاتم ومحمد بن مخلد العطار وخلق سواهم.[4]
شيوخه وتلاميذه
له شيوخ وعدتهم مئتا وعشرون رجلا, أخرج عنهم في "الصحيح".روى عن إبراهيم بن خالد اليشكوري, واحمد بن إبراهيم, وإسحاق بن راهويه, وغيرهم. وذلك كمافي مقدمة المحقق في شرح النواوي[5] وله شيوخ سوى هؤلاء لم يخرج عنهم في صحيحه كعلي بن الجعد, وعلي بن المديني, ومحمد بن يحيى الذهيلي. انظر سير أعلام النبلاء
فمن تلاميذه محمد بن عبد الوهاب الفراء, أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي, أبو  بكر محمد بن النضر بن سلمة الجارودي, على بن الحسين بن الجنيد الرازي.[6]              
تلقيه العلم
إن البيئة التي نشأ فيها الإمام مسلم مهدت أمامه الطريق لطلب العلم النافع, قد كانت نيسابور بلاد حية بالعلم الموروث عن صاحب الشريعة لكثرة من فيها ممن لا يحصيهم ٌإلا الله ممن يشتغل بالعلم تحصيلا وتعليما, وكيف الظن بمن يولد في مثل هذا المجتمع وينشأ به فيه؟ لذلك كانت فرصة الطلب المبكر مهيأة لمسلم ليجني من ثمار علوم الشريعة وهو لا يزال غلاما مالم يشتد عوده. فسمع الحديث رببلده سنة (218) هـ من شيخه يحيى بن يحيى التيمي, وعمره اثنتا او الابعة عشرة سنة. وفق مسلم للخروج حاجا سنة (220) هـ فسمع في خرجته تلك الحديث من جماعة, ثم اسرع العودة الى وطنه نيسابور[7]      
تصانيفه                            
له تصانيف غير كتابه الصحيح : الكنى والأسماء, المفردات والوحدان, الطبقات, رجال عروة بن الزبير,  التمييز, المسند الكبير على الرجال, الجامع الكبير على الأبواب, العلل, الأفراد , الأقران. فمنها وصلنا, ومنها لايزال في عدد المفقود.[8]

رحلاته
الرحلة في طلب الحديث شعار أهل الحديث في القرون الأولى, وذلك لتفرق حملة السنن والأثار في بلاد الإسلام الواسعة, وكون التدوين والتصنيف في أول أمره, فسلك مسلم سبيل أهل الشأن وضرب في ذلك بتنصيب وافر حيث كانت له رحلاتان:
الأولى: رحلته إلى الحج سنة (220) هـ , وهو غلام أمرد, لقي فيها شيخه عبد الله بن مسلمة القعنبي بمكة وسمع منه, كما سمع في طريقه بالكوفة من أحمد بن يونس وجماعة ثم عاد إلى بلده ولم يطل الرحلة.
الثانية: رحلته الواسعة بقصد الطلب, وكانت بدايتها قبل سنة (230) هـ فطاف البلاد, وأكثرالسماع, حتى سمع من خلق كثير مما حصل له به من بعد الإقامة والتقدم, حتى ألقى عصا الترحال في بلده نيسابور.
تسمية ما دخله من البلاد:
1-            ما حول بلده من بلاد خراسان
2-            الري
3-                        العراق: دخل الكوفة,والبصرة, وبغداد, وقد قدم إليها غير مرة وأخر قدومه لها سنة (259) هـ وكان حينها إما ما يبث العلم وينشره, فسمع منه أهلها.
4-                        الحجاز: دخل مكة والمدينة
5-                        الشام: أثبت دخوله لها الخطيب وابن عساكر والسمعاني وغيرهم, ورده الذهبي بناء على أنه لم يسمع إلا من شيخ واحد من أهل دمشق, فقال (الظاهر أنه لقيه في الموسم) يعني في الحج, فإن صح ماذكره الذهبي فلعله مربها أودخل أطراف الشام ولم يدخل دمشق خاصة.
6-                        مصر [9]
الباعث له على تأليف صحيحه
تولى الإمام مسلم بيان أسباب تأليفه لهذا "المسند الصحيح" في مقدمته حيث ذكر أن السبب الباعث له على ذلك أمران:[10]
الأول: إجابة لسؤال أحد تلاميذه حيث قال في مقدمته: " ثم إنا-إن شاء الله –  مبتدؤون في تخريج ماسألت تأليفه على شريطة سوف أذكرها لك"
الثاني: كثرة ماألف وقذف به إلي الناس من الكتب المملؤة بالضعاف والمناكر والواهيات حيث قال في مقدمته: "ولكن من أجل ما أعلمناك من أن نشر القوم الأخبار بالأسانيد الضعاف المجهولة, وقذفهم بها إلى العوام الذين لايعرفون عيوبها, خف على قلوبنا إجابتك إلى ماسألت".
شهرة صحيح مسلم وشرطه
        صحيح مسلم رحمه الله فى نهاية من الشهرة وهو متواتر عنه من حيث الجملة فالعلم القطعى حاصل بأنه تصنيف أبى الحسين مسلم بن الحجاج وأما من حيث الرواية المتصلة بالاسناد المتصل بمسلم فقد انحصرت طريقه عنده فى هذه البلدان والازمان فى رواية أبى إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم ويروى فى بلاد المغرب مع ذلك عن أبى محمد أحمد بن على القلانسى عن مسلم ورواه عن بن سفيان جماعة منهم الجلودى وعن الجلودى جماعة منهم الفارسى وعنه جماعة منهم الفراوى وعنه خلائق منهم منصور وعنه خلائق منهم شيخنا أبو إسحاق.
 قال الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وأما القلانسى فوقعت روايته عند أهل الغرب ولا رواية له عند غيرهم دخلت روايته إليه من جهة أبى عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء التميمى القرطبى وغيره سمعوها بمصر من أبى العلاء عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان البغدادى قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى الاشقر الفقيه على مذهب الشافعى. قال حدثنا أبو محمد القلانسى قال حدثنا مسلم الا ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب أولها حديث الافك الطويل فان أبا العلاء بن ماهان كان يروى ذلك عن أبى أحمد الجلودى عن أبى سفيان عن مسلم رضى الله عنه [11]
 قال الشيخ الامام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الاسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ والعلة قال وهذا حد الصحيح فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط وبينهم خلاف في اشتراطه كما اذا كان بعض الرواة مستورا أو كان الحديث مرسلا وقد يكون سبب اختلافهم أنه هل اجتمعت فيه هذه الشروط أم انتفى بعضها وهذا هو الأغلب في ذلك كما اذا كان الحديث في رواته من اختلف في كونه من شرط الصحيح فاذا كان الحديث رواته كلهم ثقات غير أن فيهم أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى بن عباس واسحاق بن محمد الفروي وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن احتج بهم البخاري ولم يحتج بهم مسلم.
        قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك عدد من خرج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرج لهم مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخا وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في الجامع الصحيح ستمائة وخمسة وعشرون شيخا والله أعلم.
        وأما قول مسلم رحمه الله في صحيحه في باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس كل شيء صحيح عندي وضعته ها هنا يعنى في كتابه هذا الصحيح وانما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه فمشكل فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه قال الشيخ وجوابه من وجهين أحدهما أن مراده أنه لم يضع فيه الا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه وان لم يظهر اجتماعها في بعض الاحاديث عند بعضهم والثاني أنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنا أو اسنادا ولم يرد ما كان اختلافهم انما هو في توثيق بعض رواته وهذا هو الظاهر من كلامه فانه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة فاذا قرأ فأنصتوا هل هو صحيح فقال هو عندي صحيح فقيل لم لم تضعه ها هنا فأجاب بالكلام المذكور ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في اسنادها أو متنها لصحتها عنده وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر وقد استدركت وعللت هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله [12]
صحة أحاديث في صحيح مسلم
        قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته فى هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظرى حاصل بصحته فى نفس الأمر وهكذا ما حكم البخارى بصحته فى كتابه وذلك لان الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه فى الاجماع.
        قال الشيخ والذى نختاره أن تلقى الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظرى بصدقه خلافا لبعض محققى الاصوليين حيث نفى ذلك بناء على أنه لا يفيد فى حق كل منهم الا الظن وانما قبله لانه يجب عليه العمل بالظن والظن قد يخطىء قال الشيخ وهذا مندفع لان ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطىء والامة في اجماعها معصومة من الخطأ وقد قال امام الحرمين لو حلف انسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه و سلم لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لاجماع علماء المسلمين على صحتهما.[13]
عدد الأحاديث الصحيحة
        قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله روينا عن أبي قريش الحافظ قال كنت عند أبي زرعة الرازي فجاء مسلم بن الحجاج فسلم عليه وجلس ساعة وتذاكرا فلما قام قلت له هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح قال أبو زرعة فلمن ترك الباقي قال الشيخ أراد أن كتابه هذا أربعة آلاف حديث أصول دون المكررات وكذا كتاب البخاري ذكر أنه أربعة آلاف حديث باسقاط المكرر وبالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا ثم ان مسلما رحمه الله رتب كتابه على أبواب فهو مبوب في الحقيقة ولكنه لم يذكر تراجم الابواب فيه لئلا يزداد بها حجم الكتاب أو لغير ذلك قلت وقد ترجم جماعة أبوابه بتراجم بعضها جيد وبعضها ليس بجيد إما لقصور في عبارة الترجمة واما لركاكة لفظها واما لغير ذلك وانا ان شاء الله أحرص على التعبير عنها بعبارات تلييق بها في مواطنها والله أعلم.[14]
دقة الإمام مسلم ومنهحه
سلك مسلم رحمه الله في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والاتقان والورع والمعرفة وذلك مصرح بكمال ورعة وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه بحفظه وتقعدده في هذا الشأن وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه لا يهتدي اليها الا أفراد في الاعصار فرحم الله ورضى عنه. وأنا أذكره أحرفا من أمثلة ذلك تنبيها بها على ماسواها اذ لا يعرف حقيقة حاله الا من أحسن النظر في كتابه مع كمال أهليته ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر اليها صاحب هذه الصناعة كالفقه والأصولين والعربية وأسماء الرجال ودقائق علم الاسانيد والتاريخ ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم ومع حسن الفكر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به وغير ذلك من الادوات التي يفتقر اليها, فمن تحري مسلم رحمه الله: اعتناؤه بالتمييز بين حدثنا وأخبرنا وتقييده ذلك على مشايخه وفي روايته وكان من مذهبه رحمه الله الفرق بينهما وأن حدثنا لا يجوز اطلاقه الا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة وأخبرنا لما قرئ على الشيخ وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق قال محمد بن الحسن الجوهري المصري: وهو مذهب أكثر أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد وروى هذا المذهب أيضا عن بن جريج والاوزاعي وبن وهب والنسائي وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث, وذهب جماعات الى أنه يجوز أن تقول فيما قرئ على الشيخ : حدثنا وأخبرنا, وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان واخرون من المتقدمين وهو مذهب البخاري وجماعة من المحدثين, وهو مذهب معظم الحجازين والكوفين, وذهبت طائفة إلى أنه لايجوز إطلاق حدثناولاأخبرنا في القرأة, وهو مذهب ابن المبارك ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل والمشهور عن النسائي. والله أعلم[15]
تقسيم الإمام مسلم للأحاديث
ذكر مسلم رحمه الله في أول مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الاول ما رواه الحفاظ المتقنون والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والاتقان والثالث ما رواه الضعفاء والمتركون وأنه اذا فرع من القسم الاول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم فقال الامامان الحافظان أبو عبد الله الحاكم وصاحبه أبو بكر البيهقي رحمهما الله أن المنية اخترمت مسلما رحمه الله قبل اخراج القسم الثاني وانه إنما ذكر القسم الاول.
قال القاضي عياض رحمه الله وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم أبي عبد الله وتابعوه عليه قال القاضي وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد فانك اذا نظرت تقسيم مسلم في كتابة الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال فذكر أن القسم الاول حديث الحفاظ وأنه اذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والاتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطى العلم ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الاكثر منهم على تهمته ونفى من اتهمه بعضهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الاوليين وأتى بأسانيد الثانية منهما على طريق الاتباع للاولى والاستشهاد أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئا وذكر أقواما تكلم قوم فيهم وزكاهم آخرون وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة وكذلك فعل البخارى فعندى أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتب في كتابه وبينه في تقسيمه وطرح الرابعة كما نص عليه فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتى بأحاديها خاصة مفردة وليس ذلك مراده بل انما أراد بما ظهر من تأليفه وبان من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب ويأتى بأحاديث الطبقتين فيبدأ بالاولى ثم يأتى بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع حتى استوفى جميع الاقسام الثلاثة ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث الحفاظ ثم الذين يلونهم والثالثة هي التي طرحها وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الاسانيد كالارسال والاسناد والزيادة والنقص وذكر تصاحيف المصحفين وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه وادخاله في كتابه كلما وعد به.
قال القاضي رحمه الله وقد فاوضت في تأويلي هذا ورأيى فيه من يفهم هذا الباب فما رأيت منصفا الا صوبه وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع مجموع الأبواب ولا يعترض على هذا بما قاله بن سفيان صاحب مسلم أن مسلما أخرج ثلاثة كتب من المسندات أحدها هذا الذي قرأه على الناس والثاني يدخل فيه عكرمة وبن إسحاق صاحب المغازي وأمثالها والثالث يدخل فيه من الضعفاء فانك اذا تأملت ما ذكر بن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه فتأمله تجده كذلك ان شاء الله تعالى هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله وهذا الذي اختاره ظاهر جدا والله اعلم [16]
ثناء العلماء على الإمام مسلم
قد أثنى أئمة العلم على مسلم، وقدمه أبو زرعة وأبو حاتم على أئمة عصره. وقال شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء "كان مسلم من علماء الناس وأوعية العلم، ما علمته إلا خيرا".[17]
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم: قل ما يفوت البخاري ومسلماً من الأحاديث الصحيحة.[18]
عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه  قال: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج [19]
ترتيب الإمام مسلم أحاديث صحيحه
يرتب الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - الأحاديث في معظم أبواب كتابه "المسند الصحيح" ترتيباً علمياً، حسب الخصائص الإسنادية والحديثية التي تتوافر في كل حديث منها، سالكاً في ذلك منهجاً علمياً فريداً، يمتاز به كتابه الصحيح عن سائر الكتب الحديثية، حتى عن صحيح الإمام البخاري، ولهذا مال بعض الأئمة إلى ترجيح صحيح مسلم على صحيح البخاري.
فلما كانت الخصائص الإسنادية التي تجعل الأحاديث أصح وأسلم كثيرة فقد اختصرت على ذكر الأشهر والأهم منها.
منها: أن يكون رواة الحديث كلهم من أهل الإتقان والضبط، فتقدم أحاديثهم على أحاديث من دونهم منزلة، سواء أكان هؤلاء من الرواة من أهل الطبقة الأولى أم من أهل الطبقة الثانية. ومن البدهي أن الثقات تتفاوت مراتبهم وأحوالهم باختلاف الشيوخ والأماكن والأوقات.
ومنها: الشهرة، فيفضل الحديث الذي اشتهر بين الثقات على الحديث الذي لم يشتهر، وإن كان هذا الحديث الذي لم يشتهر من رواية الأوثق والأثبت.
ومنها: العلو، فيقدم الحديث العالي على الحديث النازل.
ومنها: التسلسل، كأن يكون رواة الحديث كلهم من أهل بلد واحد، أو قبيلة واحدة، فيقدم الحديث الذي تسلسل بها على غيره، أو أن يكون الرواة كلهم ممن اشتهر بحفظ الحديث وفقهه، فيقدم أحاديثهم المسلسلة بذلك على غيرها.
ومنها: كون الحديث خالياً من جميع الأمور التي تعكر صفاء صحته، فيقدم الحديث الصحيح الخالي من العلة على الحديث الذي اختلف في صحته، أو الحديث المعلول.
فإذا استوفى حديث من الأحاديث هذه الخصائص الإسنادية وغيرها من المرجحات التي لا تحصى فيكون ذلك الحديث أسلم وأنقى من غيره، وترتيب الإمام مسلم للأحاديث مبني على مدى تميزها بالخصائص الإسنادية والحديثية، ولا يعني هذا أن الإمام مسلماً يذكر في كل باب من أبواب مسنده الصحيح عدة أحاديث ثم يرتبها، بل إنما يكون ذلك في أغلب الأبواب؛ لأن في الكتاب مجموعة من الأبواب لم يذكر فيها سوى حديث واحد وبالتالي لا يكون فيها مجال للترتيب. [20]
وفاته
توفى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله عشية الاحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين وهو بن خمس وخمسين سنة رحمه الله ورضى عنه [21]

المراجع

الإمام النواوي, شرح صحيح مسلم القاهرة, دار الحديث, 1426 هـ  الجز الأول
الذهبي, تذكرة الحفاظ, المجلد الثاني (مكتبة شاملة)
موسوعة الحديث الشريف, سيرة المصنفين
محمد بن مطر الزهراني, تدوين السنة النبوية ,دارالخضيري: المدينة المنورة, 1419 هـ
منهج النقد في علوم الحديث, الفصل الأول في انواع الحديث الجز 1 الصفحة 253
الباعث الحثيث في اختصارعلوم الحديث
التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن صلاح
الدكتورحمزة بن عبد الله المليباري, عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح, دراسة تحليلية (مكتبة شاملة)







[1]  الإمام النواوي, شرح صحيح مسلم (القاهرة, دار الحديث, 1426 هـ ) الجز الأول ص. 8
[2] وهي  نسبة إلى القبيلة التي ينتمني إليها, قيل هو عربي الأصل وقيل نسبته إلى قشير نسبة ولاء 
[3] هي نسبة الى بلد إقامته نيسابور, وهي مدينة كبيرة من بلاد خراسان
[4] الذهبي, تذكرة الحفاظ, المجلد الثاني (مكتبة شاملة)
[5]  الإمام النواوي, المرجع السابق, ص.9-12  
[6]  موسوعة الحديث الشريف, سيرة المصنفين, تلاميذه (امام مسلم)
[7]  موسوعة الحديث الشريف, سيرة المصنفين, تلقيه العلم (امام مسلم)
[8]  موسوعة الحديث الشريف, سيرة المصنفين, تصانيفه (امام مسلم)

[9]  موسوعة الحديث الشريف, سيرة المصنفين, رحلته (امام مسلم)
[10] محمد بن مطر الزهراني, تدوين السنة النبوية (دارالخضيري: المدينة المنورة, 1419 هـ )  ص 141-142
[11]  الإمام النواوي, المرجع السابق, ص.26
[12]   نفس المرجع , ص.32-33  
[13]  نفس المرجع, ص. 38
[14]  نفس المرجع, ص. 40
[15]  نفس المرجع, ص. 40-41
[16]  نفس المرجع ص. 43-44
[17]  منهج النقد في علوم الحديث, الفصل الأول في انواع الحديث الجز 1 الصفحة 253
[18]  الباعث الحثيث في اختصارعلوم الحديث
[19]  التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن صلاح
 [20]  الدكتورحمزة بن عبد الله المليباري, عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح, دراسة تحليلية (مكتبة شاملة)
[21]  موسوعة الحديث الشريف, سيرة المصنفين, وفاته (امام مسلم). انظر الإمام النواوي, المرجع السابق, ص.12

Tidak ada komentar:

Posting Komentar